التجربة البريطانية والاتحاد الأوروبي (3)

• هبه عبد العزيز

كنا قد استعرضنا فى المقالين السابقين خلفية إنهاء بريطانيا لعضويتها بالاتحاد الأوروبي, وتناولنا أيضا بعض سيناريوهات المستقبل الافتصادي بعد هذا الخروج الذى وصفه بعض المحللين بالكارثى! واستكمالا لهذا “الطلاق المؤلم” كما وصفه بعض الساسة والمسئولين ممن شددوا كذلك على سرعة إنهاء إجراءاته… سنحاول مناقشة تداعيات ذلك على أوروبا الموحدة كمشروع سياسى متكامل وافتصادي.
وهناك العديد من الأسئلة الملحة ولعل أبرزها على ما يبدو لى هو: هل خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي يعنى إنفراط عقده وعودة القارة إلى عالم ما قبل الحرب العالمية الثانية؟.
وقبل محاولة الإجابة تعالوا بنا نتذكر سريعا ذلك المشهد فى ال 27 من نوفمبر عام 1967م ,عندما وقف الرئيس الفرنسى “ديجول” أمام نحو 1000 شخص من كبار رجال الدولة الفرنسية بقصر الإليزية وقال : (إن بريطانيا تملك كراهية متجزرة للكيانات الأوروبية) ومحذرا من أن فرضها كعضو بالسوق المشتركة سيؤدى لتحطيمه!.
واتضح الآن أن الفكرة الأوروبية بأحلامها الفيدرالية و الجيش الموحد قد فقدت الكثير من جاذبيتها , حيث لا يوجد رضاء عنها خارج المحور الألمانى-الفرنسى, كما بدا الإتحاد عبارة عن مشروع سياسى بالغ الهشاشة فى مواجهة الازمات, فهناك مليون لاجىء كانوا قد كلفوا القارة إنقساما غير مسبوق، وحدودا مغلقة، وتكتلات فى مواجهة آخرى،وصعودا غير مسبوق أيضا لليمين المتطرف، وعجزا عن تنسيق آلية مشتركة.
فقادة الإتحاد الاوروبي لم يستوعبوا مؤشر نتائج الإنتخابات الرئاسية النمساوية لصالح “نوربرت” مرشح الحزب اليمينى المتطرف!ومن المتوقع إنتشار عدوى الإنفصال وبخاصة فى الدول المتضررة من الإملاءات الأوروبية بخصوص اللاجئين فى وسط وشرق أوروبا, وأيضا دول الجنوب المتحفظة على سياسات التقشف, فقد رفض رئيس المجر “أوربان” خطة بروكسل بقبول حصص لتوزيع 160 الف لاجىء وأقرت المحكمة الدستورية هناك عمل إستفتاء فى مايو الماضى وكلها ايام وتلوى المجر هى الآخرى ذراع الإتحاد , وظهور هذا النموذج مرشحا بشدة أيضا فى كل من النمسا والسويد والدنمارك.
ونعتقد أن الإتحاد سيكون مجبرا بداية من قمة بروكسل القادمة فى 28 -29 يونيو على إعادة تعريف هويته, والتقليل بشكل صارم من كل خططه التوسعية تجاه إندماج سياسى كامل, والإكتفاء لوقت لا نعلم مقداره بما تم إنجازه, وإتاحة سلطة أكبر للبرلمانات الوطنية لإستيعاب المد القومى و الحركات الإنعزالية، مع تحمل مخاطرة التحول لمجرد سوق إقتصادى موحد بدون مشروع تكامل سياسى.
وإجمالا نستطيع القول بأن يوم” 24 يونيو ” هو يوم تغير فيه وجه بريطانيا والإتحاد الأوروبى للأبد, فبريطانيا فقدت جزء من مكانتها العالمية وأدوات تأثيرها خارج حيزها الجغرافى , وربما تجد نفسها أمام تقزم جديد حال إنفصال أسكتلندا وإيرلندا, أما الاتحاد فلن يعود يوما كما عرفناه, فقد فقد قوة نووية صاحبة مقعد دائم فى مجلس الأمن، وتحول الى قطب يحيط به قوتين نوويتين (بريطانيا العدو السابق وروسيا الخصم اللدود), وفقد أيضا إمتداده الإستراتيجى عبر الاطلسى بفقدان الدور البريطاني المحورى للربط بين بروكسل وواشنطن… فكلاهما خصم من مكانة الآخر عالميا بشكل يصعب تدارك اثاره السلبية.

[email protected]
Twitter: @Heba_elmolla

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *