[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د.أحمد محمد شديفات[/COLOR][/ALIGN]

التعرية والتآكل بدأتا تنخران بنيان الأسرة على مرأى ومسمع منا، نحس ذلك ويؤلمنا، نتكلم عن المشاكل ونتهرب عن ايجاد الحلول الناجعة لها، مع أن الطبيب الماهر الحاذق يشخص المرض أولاً ثم يصف العلاج النافع ويستمر بإعطاء الجرعة تلو الجرعة، فإن لم يكن ذلك فقد يصل به الأمر لاستئصال مكان المرض، أما أن تعقد المؤتمرات والندوات ثم تكون التوصيات ويسدل الستار لتعاد الكرة مرة أخرى بنفس الاسلوب العليل، والأسرة ما تزال تعاني التقهقر وتتسع الرقعة على الراقع، ثم تبدأ هبات وفزعات بأطروحات ودراسات جديدة فتكون النتيجة التدوير والتحوير والتحميل لأخطائنا عبثاً على كاهل الآخرين؛ لعجزنا عن حلها وهروبنا إلى الأمام وتركنا واقعنا وعشنا أحلام اليقظة والتمني على الحلول، مع علمنا موطن الخلل وموقع المرض وهو ظاهر للعيان بين ظهرانينا ومع ذلك نتجاهله، وفي قرارة أنفسنا نصر على بقائه ونتائجه معروفة سلبية تخالف ديننا وقيمنا وحضارتنا وعاداتنا وتقاليدنا، ونتعامى ونغض الطرف عن الماء الجاري الذي يكاد يغرقنا في بحر أمواجه العاتية التي هبت على أركان الأسرة من كل مكان، وما نزال نراوح في مكاننا ونعيش في أكناف نمط حياة لم يعهدها الآباء والأجداد، ونرد الاصل بقاء ما كان على ما كان عليه.
قال ابن خلدون: \”إن احوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة، ومنهاج مستقر، وإنما هو اختلاف على الايام والأزمنة، وانتقال من حال إلى حال، كما يكون ذلك في الاشخاص والأوقات والأمصار، فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول، سنة الله التي قد خلت في عباده – فما يصلح لزمان الأجداد لا يصلح لواقع الابناء- فالحياة ترتقي للأحسن وتنهض للأعلى، فكثير من الاحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عرف اهلها، أو لحدوث ضرورة أو فساد أهل الزمان، بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه لزم من بقائه الضرر والمشقة بالناس، أو لخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف ورفع الضرر والفساد، فقد تميزت أمتنا أن أراد الله لها (شرعة ومنهاجا) فالحياة متجددة ونحن أبقينا الحال دون تغيير مع أن الاحوال والاوضاع تتغير بتغير الزمان، فالحياة تسير إلى التغيير والحركة والنهوض وليس للجمود والخمول والتحنيط، فتصور يا رعاك الله كيف أن عالم الاجتماع من ابناء جلدتنا درس وكد واجتهد واطلع على نظريات التطور العلمي والاجتماعي والرقي الانساني في وطن الغربة ثم عاد إلى وطنه الام، ماذا عساه يفعل هل فكر وسعى ان يصبغ عادات وتقاليد اسرته بنوع من التقدم والازدهار، ليلبس أسرته ثوبا مرصعا مزدانا ومطرزا بنقوش التقدم والنهوض ليمزج قيم الدين والعادات السامية، ويعالجها بألوان وأنوار ساطعة وحلول ناجحة لتبدأ العادات في حلة بهية وصورة جميلة وعباءة كبيرة من القيم الانسانية والاجتماعية الرفيعة، أم أن عالم الاجتماع هذا ارتطم بصخرة من العادات الماضية أوهنت قواه بقوى الشد العكسي، فلم يستطيع عمل شيء فسلك طريق الهجوم اللاذع والاستهزاء المقصود والتنظير المعهود الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، وإذا عدت للواقع فهذا ليس ذنبه لوحده، وإنما يشاركه الآخرون القائمون على العادات والتقاليد التي أرادوها ان تحيا لتبقى الموروث الوحيد، وان خبرتها فهي ليست من الدين في شيء، من هنا تفرقت الجهود وضيعت حتى العادات السامية وتقاليد الجدود الراقية ولم تلتئم الجروح فكل قوم بما لديهم فرحون، ومن تلك الامثلة التي تمخضت عنها هم العنوسة التي سعينا جهدنا لإيجادها وتكريسها، فهي موروث خاطئ ترسخت وأصبحت عقيدة مع مخالفتها الفطرة البشرية، غذينا تلك الهموم وسقيناها فأنبتت نبتة في كل بيت عانس جالس، وأغلقنا الاسوار والأبواب وسجناها بآيات وأحاديث وقصص نسجناها وفسرناها وأخرجناها حكايات من الخيال، ثم أوجدناها عانسا فتاة منعناها من فطرتها، وحاولنا كبتها ان تستمتع بغريزتها الفطرية لتخرج تلك الغريزة بمخرج نظيف لطيف طاهر عفيف برعاية وحنان ورقابة ابوي، لتنتج تلك الفطرة ثمرة ناضجة مفيدة محترمة تؤدي دورها في المجتمع، وتصبح أماً راعية وعلى أطفالها ومستقبلها حانية، وينال والداها رضاها بدعوة رب العالمين (رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) فالعنوسة فتنة وأي فتنة انتشارا للزنا والإجهاض والخيانة والمتعة الحرام كل ذلك بما كسبت ايدي الناس ويعفوا عن كثير، فالعنوسة ضد الفطرة، أليس من حق المرأة كالرجل التمتع وقضاء وطرها بالحلال في زواج هدفه بناء اسرة قوية مترابطة، لا متعة آنية خافية خائفة، فالعنوسة باب فقر وتقصير، والزواج فاتحة خير وتدبير وغنى ورزق واسع كثير، فقد تكون المرأة سعيدة في كوخ مع زوجها لا تعيسة مكسورة الخاطر مع أغنى الاغنياء فالرزق من الله المعطي . أيها الأب لو عدت للماضي حينما تزوجت كيف كانت حالتك ووضعك، ثم كيف أصبحت الآن في ثراء ونعيم ومقام كريم وبناء ورقيم، فكن ميسرا للزواج لا معسرا في تزويج الابكار والثيبات، فالزواج بركة وبقاء لنوع الانسان ودعوة المرسلين وطلبهم الذرية من رب العالمين (ربي هب لي من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء) الآية (ربي لا تذرني فردا..) الاية- وأجب يا رب دعوة المشتاقين المحبين، وحقق آمال الفتيات والبنين فيما ترضاه لهم يا رب العالمين، عاجلا غير آجل آمين آمين.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *