البيروقراطية وتغليف الفساد الإداري
نادية العمودي
من الملفت جداً في بعض الدول استخدام العديد من المسؤولين الإداريين لعبارات ومفاهيم في غير محلها، فمثلا، تتردد عبارة \”اللي فات مات\” على التهاون في محاسبة المقصريين، بنية طيبة، خوفا من قطع الأرزاق! في حين أن الصورة الحقيقة تتطلب الحفاظ على \”الحق المهدور\” درءا لعواقب التهاون، بنية سليمة، خوفا من \”قلة البركة\”. إلا أن الظاهرة، الأكثر لفتا للنظر، والتي بدأت تظهر مع ظهور محاولات الإصلاح والتطوير، هي إلباس مظاهر الفساد الإداري، العديد من \”برانيط\” الاحترافية وأساليب الإدارة الحديثة. حيث يعتقد بعض المسؤولين أن تكييف هذه الأدوات الإدارية مع ما هو حاصل أصلا في إداراتهم، هو معالجة للفساد! إلا أنه تصرف لا يتعدى أن يكون تغليفا للفساد بورق مستورد، من شأنه ألا يؤدي إلى وصولنا لمصاف \”العالم المتقدم \”
فللفساد الإداري في المنشآت العامة والخاصة مظاهر واضحة، ولست أتحدث هنا عن مشكلات الاختلاس أو السرقات، ولا كل ما يؤول إلى الإتلاف، إنما الذي أشير إليه، هو الممارسات التي لا يقصد بها الفساد، في حين أنه هو الحاصل. الممارسات التي تأتي من \”نية طيبة\” ينقصها لتحقيق الهدف المنشود \”بناء الخبرة\” وليس نسخها. كتلك التي تتمثل في اتخاذ القرارات الخاطئة، والإهمال والتقاعس، والتخلي عن المسؤولية. فقرارات لا تمت بصلة للهدف الأساسي للمنشأة تعتبر خاطئة، القرارات التي تولي المسؤولية لغير الأكفاء، خاطئة. القرارت التي تسعى لحلول مؤقتة، تهدر المال والوقت والجهد، بالتأكيد قرارات خاطئة. كما إن تعطيل الإنجاز والتسويف، يعتبر تقاعسا وإهمالا، حتى وإن كان بمسمى \”لجنة تطويرية لدراسة الإتقان\”. ولا يمكن اعتبار التملص من العمل إلا تخليا عن المسؤولية.
في حين أن مفاهيم أدوات الإدارة الحديثة التي تعمل على تحقيق أهداف المنشأة وإرضاء العملاء والعاملين واصحاب الشركات أو المسؤولين، كالتخطيط الاستراتيجي ، وحث العاملين على التفكير خارج الصندوق ، والتعاون مع جهات خارجية متخصصة ما هي إلا أدوات تسهم في صناعة النجاح، وبالتأكيد تحقيق كافة الأهداف، إذا ما استخدمت عن دراية ووعي كافيين. فالتخطيط الاستراتيجي يهدف إلى تسخير كافة موارد المنشأة، باقتصاد، لتحقيق الهدف الأساسي لها. والتفكير خارج الصندوق هو الأداة التي تمكن المسؤولين من الخروج بحلول جذرية مبتكرة للمشكلات، هو التفكير الإبداعي الذي يعكس روح المسؤول التي لا تقيدها الأفكار القديمة ولا تعيقها البيروقراطية. أما الاستعانة بجهات خارجية متخصصة، يأتي من حرص المسؤول على الاستفادة من خبرات أكبر وتجارب أكثر بهدف الوصول لأدق النتائج التي تصبو إليها خطته الاستراتيجية.
بيد أنه من المحبط جدا إلباس اهمال المسؤولين في إنجاز المشاريع وتحقيق أهداف المنشأة، \”برنيطة\” التخطيط الاستراتيجي، طويل المدى، فيستمر المشروع تحت الإنشاء حتى بعد تعاقب المسؤوليين عليه تباعا، لا يقصيهم عنه إلا \”فكرة\” مشروع جديد يبدو لهم أكبر من سابقه. ولا يمكن اعتبار التفكير خارج الصندوق، تمثل القرارات الخاطئة التي تصدر عن المسؤولين، ليكون من الإبداع تفادي البيروقراطية بإنشاء مكاتب وساطة مثلا، في حين أن الحل الإبداعي سيكون في اختصار الإجراءات إلى ضغطة زر إلكترونية.
وصول الشعوب لمصاف العالم الأول، يعتمد بشكل كبير على تحقيق أهداف منشآته بقطاعيها الحكومي والخاص. وتحقيق الأهداف يعتمد على وضوح هذه الأهداف للعاملين عليها، ويعتمد على تمرسهم وتدرجهم في اكتساب المهارات الإدارية، دون إخفاء عيوبها!
التصنيف: