د.علي عثمان مليباري

كلنا ندعو الله لأنفسنا ولأبنائنا ولمن نحب بالبركة في العمر والرزق والصحة والسعادة والمستقبل الأفضل، وندعو بالتوفيق وتحقيق الآمال والأمنيات، وبطبيعة الحال نردد الدعاء بإخلاص، إن كان منا أو لنا ونقول (آمين) ولكن هل قرأنا وسألنا وتفقهنا في أسباب استجابة الدعاء من عدمه، وأولها معرفة الله تعالى وأداء حقه سبحانه، وقراءة القرآن والعمل به، وحب الرسول صلى الله عليه وسلم مع العمل بسنته، قال تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).
إن عدم استجابة الدعاء سببه مخالفة هذه الأسباب، وربما هناك عوامل أخرى في رأيي، منها حب الجنة ومخافة النار دون الأخذ بالأسباب، والانشغال بعيوب الناس بدلًا من النظر بعيوب النفس الأمّارة بالسوء.. أيضًا التنعم بنعم الله دون شكرها بصونها وزيادة بركتها بالعمل الجاد والاخلاص وتطهيرها بالباقيات الصالحات (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).
وجميعنا ندعو لأبنائنا بالبركة في صحتهم وأوقاتهم والتوفيق في دراستهم وأعمالهم وزواجهم، لكن كيف تأتي البركة والكثير من الثقافة التربوية الإيجابية تتراجع في النفوس وسط مشاغل العصر، فالبركة لاتحل ولا تدوم بالتواكل والتلقائية والعشوائية في التربية، وإنما بتقوى الله في التنشئة على أداء العبادات وحب الفضائل والالتزام بالأخلاق والآداب العامة والخاصة، وثقافة احترام الأنظمة والمحافظة على الحقوق العامة والخاصة، وليس بمفاهيم سلبية تعلي الأنانية والحقوق الشخصية على حساب العطاء والواجبات، ثم نسأل أين البركة في الأبناء؟!
وعن بركة الرزق والمال، لسنا بحاجة إلى دليل عن مظاهر الإسراف في حياتنا عامة، وبدرجة أكبر في المناسبات والأعياد وحتى في رمضان خاصة، وبمناسبة الإسراف.. كم من الملابس نشتريها وتتكدس بها الأرفف لشهور، ثم نتخلص منها دون استفادة؟! وكم من الأغذية نشتريها ونخزنها في بيوتنا وبعد أيام وأسابيع نكتشف أن كثيرًا منها لا يناسب شهيتنا، فيكون مصيرها القمامة؟!، وكم من أموال تهدر في الثرثرة والتسلية الهاتفية وتذهب هباءً منثورًا؟!!..
وبرغم ضغوط الحياة و(زنقاتها) إلا أن الفوضى والإهمال وغياب التنظيم يزيدها إرباكًا ومعاناة، فالبعض تحلوا له عبارة (اتركها بالبركة) دون تخطيط، وفي هذا إساءة لفهم معنى البركة في أسبابها وأثرها، ولهذا زاد اللهاث والتفكير المضني والقلق من الغد، مع أن القاعدة الإيمانية الذهبية حددها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم \”من أصبح معافى في بدنه آمناً في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا\”.
البركة تأتي بصدق النية والإخلاص في العبادات والمعاملات وحسن التدبر والتدبير وفعل الخيرات وترك المنكرات، وعندما تعمر هذه الأسباب في النفوس تتحقق البركة في رسالتنا الحياتية جيلًا بعد جيل، وحينها يمتلك الفرد والمجتمع مفاتيح الخير ومغالق الشر، لصلاح الدنيا والآخرة. فهل نصدق في أسباب البركة ؟ قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).. ليتنا نبدأ بأنفسنا، والله نسأل السداد والرشاد.
كاتب وباحث أكاديمي
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *