الاتفاقيات الإستراتيجية الذكية
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]مصطفى فؤاد عبيد[/COLOR][/ALIGN]
تختلف عملية \”الانتقال\” من مرحلة الصراع بين أي طرفين إلى مرحلة الوئام والصلح بحسب طبيعة العلاقة الأصلية بينهما قبل نشوء الصراع، فهي إما أن تكون أشبه بعملية إزالة الخلافات والشوائب وعودة العلاقة بين الأصدقاء مثلاً، والتي كانت تتميز بالانسجام والثقة المتبادلة قبل نشوء الصراع، أو أنها قد تكون أشبه بعملية إنشاء حالة جديدة من الصلح بين طرفين لم يسبق لهما أن كانا صديقين أصلاً ولا يوجد بينهما الكثير من روابط الثقة المتبادلة أو حتى لم تكن بينهما أية ثقة تُذكر.
والفرق الخفي بين الحالتين، والذي ينبغي أن يؤسس لكيفية \”الانتقال\” بين المرحلتين في كل حالة، هو ما يتعلق بالشق الخاص بالشروط والأحكام التي يتوجب وضعها وتكون ملزمة للطرفين، وتختلف هذه الشروط بمضمونها، أو مرونتها وحدتها، بحسب ما يتوفر من معطيات ومواقف في فترة الصراع، وبما يتناسب مع تطلعات الطرفين نحو مستقبل العلاقة بينهما والوضع الذي يجمعهما معاً.
ففي الوقت الذي قد يكتفي فيه الأصدقاء ببعض العتاب الشفوي وعقد النية ضمناً على عودة العلاقة بينهما لشكلها الأصلي، حتى وإن ضمر أحدهما، أو كليهما، إتباع أسلوب جديد مع تحفظات غير معلنة في المرحلة الجديدة بحسب تقديره للمواقف السابقة التي تسببت في الخلاف، إلاّ أنها في الحالة الثانية قد تستلزم عقد الاتفاقيات الإستراتيجية \”المشروطة\” والتي تحتوي على الكثير من البنود والعبارات الشرطية الذكية المتعلقة بالتفاصيل الدقيقة للوضع الجديد في حالة الانتقال لمرحلة الصلح بين طرفين متصارعين، بخاصة بين أولئك الذين تصدعت روابط الثقة المتبادلة بينهما بشكل كبير ولأي سبب كان.
والاتفاقيات الذكية، وبخاصة الإستراتيجية منها، هي الوسيلة المثلى التي قد تؤدي ما لا يمكن أن تؤديه الاتفاقيات العادية، وذلك من خلال احتوائها على الكثير من الشروط والأحكام الدقيقة الملزمة لطرفي الصراع على المدى القريب والبعيد الذي قد يحمل بين طياته الكثير من المستجدات، فمن جهة، سوف تؤسس مثل تلك الاتفاقيات للأرضية الصلبة والمرجعية المتكاملة للعلاقة بين الطرفين وطريقة التعاطي مع كل المواقف ولكنها من جهة أخرى، قد تكون أكثر أهمية، سوف تعمل على تعزيز استمرارية الالتزام بالاتفاق ونمو وترسيخ الثقة المتبادلة بدلاً من ضعفها وترهلها بمرور الزمن بسبب التغيرات في الظروف أو الأفراد أو حتى تغير نمط وأهواء الأفراد في نفس الظروف.
يبقى الشق الأهم في هذا الأمر وهو الحاجة لبحث وحصر ما يمكن التنبؤ به من احتمالات لوقوع أحداث أو ظهور مواقف وخلافات قد تنشأ في المستقبل، القريب والبعيد، بحيث يتم دراستها وإضافة ما يناسبها من بنود أساسية وثانوية في الاتفاقيات الذكية ووفق ما يتوفر من رؤى وتحاليل متعددة وتقديرات مستقبلية لجميع المشاركين فيها، وبما يحقق إيجاد وتثبيت الحلول الاحترازية والصحية المناسبة لها ضمن بنود الاتفاق، الأمر الذي من شأنه تلبية احتياجات جميع الأطراف لتعزيز الثقة المتبادلة واستمرارية الالتزام أكثر من أي شيء آخر.
التصنيف: