ليلى عناني
يمر الإنسان في كثير من الأحيان بلحظات يريد فيها أن يهرب من كل شيء ويبتعد عن الحياة التي يعيشها، يغير فيها الوجوه والأحداث والأماكن وإن استطاع أن يغير الذكريات أيضاً فلن يتردد! من الصعب تحقيق بعض تلك الأمنيات فليس باستطاعته أن يهرب من كل ما يريد، فمثلاً لن يتمكن مهما حاول الهرب من ذكرياته فهي مطبوعة في عقله و منقوشة على خلاياه نقش أبدي لا يمحوها إلا انتهاء حياته، وكذلك أحاسيسه التي ينبض بها قلبه وتتخلل كل شرايينه السارية فيها دمائه… كيف يهرب وأين يلقي بكل ما يثقل صدره ورأسه؟
ليس هذا تشاؤماً بل مجرد خواطر إنسانية تحث الكائن الآدمي على الانصياع وقبول حياته كما هي، برغم ذلك ستظل دائماً أمامه خيارات كثيرة تضيء له الطريق وليس مطلوب منه إلا أن يبدأ بالبحث عن وسيلة تمكنه من إلقاء الأعباء عن كاهله، فالسماء الشاسعة المُضاءة بأنوار شمسها نهاراً وزينة نجومها ليلاً تنتظر موعدها معه فهي تحيط بكل شبر على وجه البسيطة وإن غابت الشمس عنها مؤقتاً في بعض الأماكن كالقطبين الشمالي والجنوبي لتترك أهلها محرومين من ضوئها تسلم بعده الشمس مكانها لقمر ينير ضوءه في السماء السوداء فيجبر الكائنات على الراحة بأمر خالق الكون.
لمن يريد الهروب أن ينظر لتلك البقاع في العالم كيف يصنع أهلها من الستائر في شهور طويلة لا تغيب عنها شمسها ليل بأن يهيء لنفسه ليل يسدل فيه الستائر السميكة على نوافذه فيمنع ضوء الشمس من التسلل عبرها ليوهم نفسه بليل وهو يعلم بأن شمسه لن تغيب لشهور طويلة! كيف لهؤلاء أن يُسعدوا؟ وبلاد أخرى تختفي الشمس عن سماها لتتركها في سواد دامس لا يهدئ النفوس؟ فهم في قطب آخر لا يرون الشمس فيستعيضون عنها بأضواء مُصنعة في أوقات محددة تنتشر في كل شبر لتعلن عن نهار قد أتى ليبدؤوا بالقيام بأعمالهم رغم الليل المتواصل!
أفاقت على حقيقة كانت غائبة عنها فهي تعيش في بلد تطلع فيها الشمس كل يوم ويأتي المساء محملاً بسماء تعج بنجوم لا عدد لها وكل في فلك يسبحون، أليست جديرة بأن تمنعها من الهروب فلديها حديقتها بمقعدها المعهود الذي تهرب إليه دائماً يظل في انتظارها ليريحها مما يثقل قلبها وعقلها وفكرها؟
هكذا هي الحياة لا يمكن لإنسان تغيير من حوله قبل أن يغير نفسه أولاً، فهو الأجدر بالتغيير فنفسه يصحبها معه أينما ذهب ولا يمكنه تركها أو التنصل منها متى أراد وليعلم أن هموم الدنيا موزعة على كل الكائنات فلكل نصيبه، لترضى بحكم الله وتبحث عن ثغرات من خلالها ترى السعادة والراحة فهي موجودة لكن علينا فقط رؤيتها وإدراكها….
همسة: لا أؤيد (نابليون بونابرت) في قوله:\” لا مستحيل تحت الشمس\”، وأؤيد (جون هيود) في مقولته: \”لا مستحيل عند أهل العزيمة\”.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *