الإساءة لا ترد.. ولكنها تستبدل

• عبدالرحمن آل فرحان

يقول ديكارت ” كلما أساء إلي أحد أحاول رفع روحي عالياً بحيث لا تصل إليها الإساءة ” ، ويقول المهاتما غاندي ” إذا تم رد الإساءة بالإساءة فمتى ستنتهي الإساءة ؟ ” .. على أية حال .. حدث أن نشرت صورة لطفلتي عبر تويتر وهي جالسة في حديقة إحدى المستشفيات المنومة فيه ، ولم أكن لأتخيل حينها أن تكون هذه الصورة سبباً في امتعاض أحد ، لذلك استصعبت ما كتبه أحدهم من تعليق فظ في سياق الرد عليها ، والمريب أن صاحب ذلك التعليق الجارح جير إساءته تلك من باب نصرة الأشقاء في سوريا ، فقد رأى في ابتسامة صغيرتي ما يوحي إلي عدم مراعاة مشاعر الأطفال المسلمين الذين تشردوا في الملاجئ وتيتموا تحت ويلات الحروب ، الأطفال هناك يموتون وأنا أصور أطفالي في الحدائق والمنتزهات ، الأطفال هناك يجوعون وابنتي تحمل في يدها قطعة شوكلاته ، هناك يتشردون ويتألمون وأنا أتجاهل كل ذلك من خلال تصوير ابنتي مبتسمة !! هكذا كان يتصور ، ولا أدري كيف وصل إلي هذا التصور !!
لقد استفزني إلي أقصى درجات الاستفزاز ، وقد هممت بالرد عليه فوراً لولا أني كنت حينها أقود سيارتي ، فاضطررت لتأخير الرد إلي أن أصل المنزل ، ولا أخفيكم .. في الطريق كنت ألوك الرد لوكاً وأزفره زفراً ، وأتمتم به وأكرره وأعيده وأسبكه في غضب عارم ، وكأن الشيطان بجواري يلقي على ذهني أقذع ما تجود به قريحته الشيطانية ، ثم ما لبثت من طول المسافة إلا وكأن نفسي قد هدأت قليلاً ، وشيئاً فشيئاً بدأت أتساءل .. ما الذي دفعه أصلاً للهجوم علي هكذا خاصة وأنه لا يعرفني ولا أعرفه؟ كأن ثمة صوت خفي يقول لي دعه وشأنه ، لابد أنه غاضب جداً مما يحدث في تلك الدول ، مؤكدا لو قابلته في مكان ما على الواقع لربما كان أفضل منك خلقاً ، ولربما دعاك لمنزله وأكرمك كأفضل ما يكرم به الناس بعضهم ، إنها عاطفته المتفجرة غضباً على كل ما يجري ، وكما قيل لا يلام المتألم على صراخه؟ دعه فهو يصرخ في وجه كل شيء يخيل إليه أنه لا يصب في اتجاه رفع الظلم عن المسحوقين في تلك البلدان ، سيصرخ على من ينام في سريره طالما أولئك بلا أسرة ، وسيصرخ على من يأكل ويسافر ويلبس ويتسوق لاعتقاده أن في ذلك تجاهل لمآسيهم ، حتى لو أخبرته بأنك في كل لحظة ترى فيها طفلاً يتأذى في هذا العالم تهرع مباشرة لأطفالك لحتضنهم وكأنها آخر ساعة تجمعك بهم فإنه لن يتمكن من الاستيعاب ، دعه فهو لا يعلم أن طفلتك لم تكن تلتقط الصورة في منتجع سياحي أو في ملهى تجاري ؛ إنما في حديقة للمستشفى الذي أرغمها المرض أن تبيت فيه بعيداً عن سريرها وألعابها وعائلتها ، دعه فلن يفهم وهو تحت تأثير غضبه أنه ليس من العدل أن نجبر أطفالنا أن يدفعوا ثمن عنجهية الطغاة أينما كانوا.
وبعد إلحاح من هذا الصوت اخترت أخيراً تجاهل رده وقررت بألا أرد عليه بأي إساءة ، فقط سأقول له شكراً على تعليقكم وكفى ، لكن المفاجأة التي لم تخطر لي على بال ؛ أن رده ذلك لم يعد موجوداً ؛ لقد عاد للحساب مرة أخرى وحذفه ، يبدو أن ذلك الصوت الذي كان يحدثني في الطريق كان يتحدث معه في ذات الوقت ، الخلاصة .. امنحوا أنفسكم وقتاً كافياً قبل أن تتفاعلوا مع الإساءات ، جربوا .. فالكلمات البذيئة لن تنفد أبداً إن أجلتها لبعض الوقت.
@ad_alshihri
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *