الأمن الثقافي
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عبدالحميد سعيد الدرهلي[/COLOR][/ALIGN]
تعتبر الثقافة الملمح العام لأي حضارة كونها الوعاء لكل مميزات وطريقة حياة ونتاجات وخصائص الشعوب.
وفي ظل التفسخ والتلوين الذي بات يلحق بثقافات كثير من الشعوب نتيجة تداخل الثقافات وتمازجها كمحصلة لعمليات العولمة المدعمة من السياسات العالمية والتي تهدف لصهر ثقافات الشعوب من خلال ادواتها المتمثلة بالوسائط الاعلامية وتوظيفها لعولمة كل شيء حتى باتت الثقافة بضاعة معولمة تروج لها وتنتجها شركات متخصصة في مجال الاعلام المرئي والمسموع والمكتوب والذي يضخ كما هائلا من المعلومات عبر الوسائط المتاحة بدون اي رقيب. لذا كان لزاما علينا كأمة عربية واسلامية ان نتصدى لهذا السيل العارم من التشويه الثقافي الذي بدأ يؤثر على عقل الامة وهويتها الثقافية، وهذا لا يعني ان نتقوقع على ذاتنا ونؤطر مشروعنا الثقافي بحدود ضيقة غير قابلة للاثراء ورفض منجزات الحضارة الحديثة، ولكن المطلوب التواصل وفتح النوافذ لما هو مفيد ومثمر لثقافتنا ايا كان مصدره. فالتواصل والتمازج بين الثقافات يعتبر مكونا بشريا قائما منذ بدء الحضارة الانسانية، فوجود قواسم مشتركة بين بني البشر في الاتجاهات والقدرات والنتاجات يؤصل مفهوم حرية التبادل الثقافي الانساني كون الثقافة تشكل قاعدة للتنمية، فالتطوير والابداع هو منتج انساني، والانسان مركب من جسد وفكر، والثقافة نتاج لهذا المركب.
فإذا اردنا ان نحصن هويتنا الثقافية يجب علينا ان نتخلص من الجمود والنهج الاقصائي لكل ما هو مستورد وحديث، وان نستثمر ونستفيد من كل ما لا يتعارض او يؤثر على ثقافتنا، وان نتجاوز الركود بتطوير سياستنا التعليمية.. بما يتماشى مع المتغيرات العلمية والمصرفية، وان نعزز مؤسسات المجتمع المدني، وان يكون هدفنا يتمثل بالتنمية الشاملة، وتعزيز الديمقراطية من خلال حرية التعبير وتخطي التردي الفكري، ومحاربة الامة وتفعيل الحوار مع الآخر، واحترام قدرات الآخرين وابداعاتهم، وتطوير النظام التعليمي ليساير الثورات المعرفية والمعلوماتية وتعميم المعرفة وتسخير العلم في التنمية وتشجيع البحث العلمي والبدء في تنمية انسانية شاملة في كل القطاعات.
كلها امور إن حققناها ومارسناها بتنظيم واستنارة تصبح لدينا هوية ثقافية واعية يصعب اختراقها او تشويهها.وهذا دور وجهد يجب ان يتضافر فيه جميع القطاعات على مستوى الوطن العربي.فالأمن الثقافي يعني امتلاك الوعي والخبرة الاثرائية التي تخولنا الاستفادة من ثقافات الشعوب الاخرى بما يتوافق مع قيمنا وعقيدتنا وثوابتنا، ومن ثم تحصين هويتنا الثقافية بالعلم والمعرفة والخبرة التي تؤهلنا للتصدي لأي غزو ثقافي يسعى لاستهدافنا، فالمكون الثقافي لأمتنا العربية والاسلامية ثري بمكوناته ومظاهره وابداعاته في جميع المجالات، وواجبنا يكمن في استثمار كل ذلك في صيانة هويتنا الثقافية وإيصال ثقافتنا بصورتها المشرقة للشعوب الاخرى.
وتبقى مكانة المثقف في المجتمعات أشبه بمنارة العلم والعلوم، فالمثقف بما ينجزه من متراكمات ثقافية حضارية لأمته ومجتمعه هو حالة من الحراك الثقافي الانساني الموسوم بثقافة بيئته وبتفاعله مع الاحداث التي اثرت في مسيرته.
من يتتبع حالة الحراك الثقافي في وطننا الغالي يدرك اننا في عصر الثقافة الذهبي بلا شك. فالصفحات والملاحق الثقافية ترصد بشكل مكثف حالة من التوهج الثقافي الانساني الذي تجاوز المركزية والبيروقراطية لينثر ارجاء الوطن ببؤر متوهجة من الفعاليات الثقافية والفنية. اعمال ابداعية وثقافية مهمة سميت باسمها امم وحضارات، وقد خلد التاريخ الانساني عددا من المثقفين المبدعين بمكانة ناهزت مكانة السياسيين والمناضلين.
يسعدنا دوما هذا الحراك لكننا اليوم نطرح تساؤلا صغيراً للمعنيين: الى متى تبقى اسماء مجموعة من المثقفين دون غيرهم تجتر بشكل مبالغ فيه سواء كان ذلك في الانشطة الثقافية، او المشاركات في الفعاليات الدولية والعالمية، او ترأس الاجسام الثقافية على مدى عدد من السنين. اين هم فرسان التغيير؟ اين وجودهم الثقافي ومراكزهم التي يستحقونها؟ نحن لا نقلل من أهمية الخبرة والتجربة، لكن طاقة وتفتح اذهان الشباب قد يكونان منافسا قويا ومعززا لإمكانات الشباب وحقهم في تمثيل ثقافة وطنهم بمختلف المحافل. الثقافة ليست حكرا لشخص دون آخر، وانما هي امانة في عنق الانسان الذي يتقلد الفكر الانساني العالمي الاحساس المتقبل للآخر، المنفتح على الثقافات الاخرى وليس لمن يحيط نفسه بكتلة من الحصانة المزيفة من خلال الشلَلِية واستحواذ نخبة من الاصدقاء المصنفين دوما. علينا ان ندرك جميعا كمثقفين ومتعاطين للثقافة صدق مقولة الاديب العالمي \”جبران خليل جبران\” ان ما نقوله اليوم بلسان واحد سيأتي الغد ليقال بألسنة عدة، وبهذه المقولة التي اعلقها أمانة فكرية في اعناقنا ندعو الله عز وجل ان يديم علينا نعمة الامن والامان التي هي البيئة الخصبة للثقافة والابداع.
مدير عام وزارة التخطيط / متقاعد
فاكس : 6658393
التصنيف: