الأماكن والرؤوس المليئة
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. رؤوفة حسن [/COLOR][/ALIGN]
يرحلون في الأماكن ويحملون معهم نفس الهموم والمشاغل. هكذا سمعتهم في وسيلة المواصلات التي جمعتنا بالصدفة وقد كنا من قبل في مطار بلادنا لايعرف أحدنا الآخر ولا مجال للتحية. وعندما وجدنا انفسنا في وسيلة مواصلات واحدة تبادلنا هزات الرأس التي تعني تشابها في المكان ليس أكثر.وانشغلوا فيما بينهم بالحوار الذي ربما كان قد ابتدأ من هناك ثم استمر. مرت حديقة وأشرقت مزرعة، وازدهرت بعض وجوه الزهور لكنهم لم يروا شيئا. كان حديثهم يغرقهم في الهم فلا يشاهدون ما يمر بهم. لماذا إذاً رحلوا؟ كان بإمكانهم ان يواصلوا الحديث عن نفس هموم المكان وهم فيه.
كانت الأفكار تدور في خاطري وانا أرغب ان ألفت نظرهم لبعض المناظر الجميلة التي يتميز بها هذا المكان الغريب علهم يتوقفون لحظة عن اجترار الهموم فيشاهدون بقلوبهم حالة أخرى تمسح قليلاً من الأسى الذي يطبع وجوههم بشجن القلوب الحزينة.انغمست في أفكاري ونزعت نفسي عن متابعة أصواتهم وكلماتهم. كنت دوما أحاول ان اعيش في المكان ظروفه مع ترك قليل من المسافة بين الاندماج والقطيعة. كانت تلك وسيلتي كي أحب الأماكن والناس، وانعش فكري ببعد صغير عن زاوية تركيز واحدة. وكل مرة كان ذلك ينجح في إعادة الطمأنينة الى قلبي كي أواصل المسير.
القوائم البريدية:
مع تزايد عدد المستخدمين للانترنت، تجد نفسك ضمن قوائم بريدية لمجموعة من الأفراد لديهم هوايات أو مواضيع اهتمام معينة ويرغبون في أن تشترك معهم. وعندما يحدث ذلك لي فأني في الغالب أوقع بالخروج من هذه القوائم وانتهي من إلحاحها إلا فيما ندر.فهناك قائمة بريدية تدور أساسا حول مؤلف شهير يتولى إدارتها بمعاونة بعض من المعجبين به والذين يمثلون نوعا من الصداقة معه. أقرأ ما يكتبون لكني لا اجد وقتا للمشاركة في تعليقاتهم لا بالنفي ولا بالإيجاب. ورغم ان معظم أعضاء هذه القائمة يعيشون خارج وطنهم الا انهم مسكونون بالوطن أكثر من الذين يعيشون فيه.نادراً أن تجد منهم اشارة تنقل خبرة جديدة او مسيرة حياة مختلفة يعيشونها في المكان الذي صار وطنهم الجديد. ومتابعتي لأخبارهم تشبه الاستمرار في القراءة المطلعة على الصحف اليمنية والتركيز على ما تنشره من أخبار أو تعليقات.
وقوائم أخرى هجرتها لأن حضور الوطن فيها حضور ملغوم فيه كثير من التعسف والمبالغات والرغبة في القيادة والسيطرة، والحنين الى العودة في مواقع عليا ترى انها تملك بالهجرة حقوقا أكثر من حقوق الذين صمدوا وبقوا ليواجهوا مشاكل حياة مجتمعهم لحظة بلحظة.
انها رؤوس مليئة بالهموم وحاملة لوجع مستمر من خلال ذاكرة ثابتة في مواجهة اشخاص يعيشون واقعا أكثر خصبا وتعددا واحتمالات تناقضات طبيعية واسعة. الأماكن مجرد مساحة عيش للتواجد المادي، أما النفوس فهائمة في الوطن الأول.
[email protected]
التصنيف: