الأشجار المعمرة في خدمة السياحة!

• عبد الناصر الكرت

بان الحزن على وجه أحد كبار السن بمنطقة الباحة عندما علم باعتداء أحد الجهلاء بقطع شجرة كبيرة معمرة أسفل عقبة الظفير , وأجهش وهو يصف تلك الشجرة التي أحبها جيل مضى..كانوا يتفيؤون ظلالها ويأكلون ثمارها ويحلّون جماعات تحت فروعها الممتدة التي تظل حتى قطعانهم من الأغنام ! ويتحدث بألم وحسرة عن تلك الشجرة النادرة التي بقيت شامخة عبر مئات السنين , قبل أن تتعرض لأيدي العابثين الذين سطوا عليها بمناشيرهم لأغراض تافهة لا تتجاوز الاحتطاب أو لتجويف أغصانها كخلايا للنحل . مستغلين خلو المكان من السكان !! وكان يتمنى لو تتمكن الجهات المسؤولة من معرفة الجاني أو الجناة لقناعته بأنهم يستحقون العقاب دون شك .
تذكرت هذه الحادثة التي مر عليها قرابة عقدين من الزمن عندما شاهدت مقطع فيديو يصور أحد العمال الأجانب الذي انتابته حالة بكاء وحزن شديدة وهو يرى أشجار النخيل تتساقط أمامه , والتي طالما اعتنى بها منذ كانت فسائل صغيرة في إحدى المزارع إلى أن أطلعت ولذ جناها من الرطب والتمور . ولم يجد مبررا مقبولا من وجهة نظره لاجتثاثها حتى لو كان ذلك لإقامة مساكن لأصحابها . وكأنه يقول أين وصية الرسول الكريم عليه السلام القائل ( أكرموا عمتكم النخلة ) وهذا في الواقع هو الحس الجميل الذي يبرز قيمة الشجرة لدى أصحاب النفوس السليمة والعقول الواعية .
وإذا كنا نعلم أن النخلة التي يتم اقتلاعها من مكانها يمكن أن تزرع في موقع آخر , ويعزينا كثيرا وجود الملايين من أشجار النخيل.. فإن أشد ما يؤسفنا الاعتداء على الأشجار النادرة بقطعها أو إهمالها والتي يصنفها المهتمون بالحياة الفطرية والبيئية بأنها جريمة تستحق العقوبة . وأعتقد جازما بأنهم محقون في ذلك . فالأشجار المعمرة , تعد قليلة جدا في المملكة وتحتاج كثيرا من العناية والاهتمام للمحافظة عليها واستثمار وجودها كمعالم ذات قيمة وأهمية .
ومن بين تلك الأشجار النادرة و الجميلة شجرة الرقاع بقرية الحدب ببني كبير والتي تحكي تاريخا اجتماعيا طويلا لأهل تلك القبيلة الأماجد , وما كان يعقد تحت ظلالها من اتفاقيات ومشاورات في شأن القبيلة وصلح ومعاهدات فارتبطوا بها كما ارتبطت ببعض الجوانب الحياتية لهم عبر تاريخ طويل .
ولأن هذه الشجرة لا زالت شامخة بضخامتها وتاريخها فإنني آمل أن تتحول إلى معلم سياحي من معالم المنطقة واستثمارها لتشجيع السياحة هناك , لا سيما وأنها في موقع رائع .. تحيط بها بعض البيوت الشعبية التي يمكن أن تتحول إلى مكان سياحي ذي قيمة في محافظة بلجرشي .ولا شك أن بلدية بني كبير قد استشعرت أهمية هذا الجانب وبدأت بزفلتة الساحة كاملة حيث أحاطت بجذع الشجرة تماما بما لا يسمح بوصول مياه الأمطار إلى جذورها مما قد يعرضها للموت وبالتالي نخسر شيئا جميلا وهاما في ذات الوقت . والأمل أن تقوم البلدية عاجلا برفع طبقة الأزفلت من حول الشجرة والتنسيق مع الشؤون الزراعية بما يكفل المحافظة عليها واستثمارها جيدا لخدمة السياحة في المنطقة.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *