الأدب المنشور ومدى الانتشار

• حصة العوضي

تطالعنا دور النشر كل يوم بعشرات العناوين المطبوعة لمجموعات كبيرة من الكتب المتنوعة، من كتب الأدب كالشعر والقصة والرواية وأدب الأطفال، والبحوث والدراسات، وغيرها الكثير من مجالات الحياة ومجالات الأدب المختلفة.

وما إن يصدر كتاب لمبدع ما، إلا ويتوقع أن يتهافت القراء على كتابه، ويقفون بالطوابير الطويلة قبل أن تفتح المكتبات الموزعة للكتاب أبوابها، آملين الحصول على نسخة من ذلك الكتاب، موقعة بقلم الكاتب نفسه وتوقيعه.
ولكن هل يحدث هذا حقاً.. ؟

ليس في بيئتنا، ولا في هذا الزمان الذي تنتشر فيه الأقاويل والشائعات أسرع من انتشار خبر إصدار الكتاب، وتنتشر أزياء الفنانين والفنانات، وأخبار حياتهم الاجتماعية والخاصة ، قبل أن يتعرف العالم على عنوان ذلك الكتاب.

كل شيء في حياتنا أصبح ينتشر انتشار النار في الهشيم، إلا الكتب المطبوعة، التي تقف متراصة فوق بعضها البعض في نوافذ العرض بالمكتبات، بانتظار أن يرأف أحد المترددين على تلك المكتبة، ليرفع نسخة من ذلك الكتاب عن مكانه، متيحاً الفرصة للكتاب التالي بعرض نفسه أمام العيون المتطلعة يميناً وشمالاً.

ونادراً ما يتزاحم القراء على الكتب الصادرة حديثاً، إلا في بعض الحالات، حيث يكون الكاتب قد وصل بعد عدة كتب وروايات إلى مكان الصدارة والأولوية في نفوس القراء ، وبعد أن يتحد الكاتب مع قارئه من خلال إصداراته السابقة ، ما يجعل ذلك القارئ متلهفاً بانتظار المزيد والمزيد من ذلك الكاتب.

وتلعب الإعلانات والدعايات المطبوعة والمصورة دوراً كبيراً في انتشار هذه المؤلفات، وهي تعلن بفخر كبير، باسم مؤلفها المشهور ومكانته الأدبية والثقافية في الوسط الأدبي العربي والعالمي، وأعماله السابقة التي نالت الاستحسان والكثير من الدراسة والمناقشة في الصالونات والمنتديات الأدبية، وكذلك في المؤتمرات والمهرجانات العربية والدولية، وما أسفر عنه الكتاب عن عدة طبعات في العام الواحد، وعن نيل هذا الكتاب بالذات جوائز عالمية وعربية ومحلية أيضاً.

ترى من هي الجهة المسؤولة عن انتشار الكتاب وتداوله بين أيدي القراء من بلد لآخر، ومن مجتمع لآخر ..؟
أهي دور النشر القائمة على الطباعة والنشر والتسويق، والتي تتحمل عبء حمل ذلك الكتاب والتنقل به من معرض دولي للكتاب إلى معرض آخر ، ومحاولة طرحه للبيع بكل الوسائل المتوفرة لديها..؟ وفي حال كانت الطباعة والإخراج النهائي للكتاب ليس بالمعايير التي يتوقعها القراء ، ولا حتى الكاتب نفسه، ما يساعد على الإصابة بخيبات الأمل غير المتوقعة من قبل الجهتين، الكاتب والقارئ ..؟.

أم أنه الكاتب نفسه، الذي يتمكن من خلال تنقلاته ولقاءاته الكثيرة بالتجمعات الثقافية والإعلامية ، من الإعلان عن نفسه وعن مطبوعاته ، في كل محفل ، وكل لقاء ، وكل مؤتمر ، وعن طريق مواقع التواصل الاجتماعي المنتشرة حالياً ..؟ وفي هذه الحال، يضيع المبدع الذي لا يجيد فن الإعلان والدعاية عن نفسه وعن مطبوعاته، وسط ذلك المد الفائض من أولئك الكتاب الذين يملكون القدرة على المنافسة والتسابق إلى الصحافة والتلفاز، وكل وسائل الاتصال المتاحة ، فقط لينتشر هو باسمه، وباسم كتابه، وباسم مجتمعه الذي يمثله من خلال إبداعاته.

أم أن المسؤول هنا هو المطبوع نفسه، ومدى قربه من القارئ ، ومدى حرص القراء على تلقفه ، بمجرد صدوره ، لعلمهم المسبق بمقدرة كاتبه على جذبهم، والتعبير عما يريدونه أو الإجابة عما يبحثون عنه ، أو تعريفهم إلى عوالم جديدة ومثيرة ، تجعلهم ينتظرون الإصدار التالي بمجرد الانتهاء من العنوان الحالي..؟

الكثير من الأمور تتشابك معاً حين يرغب الفرد المبدع في طرح إبداعاته للقراءة في الأسواق والمتاجر، وأسوأ ما في تلك الأمور بقاء المنتج في مكانه دون أي يحدث له أي تغيير، لا في عدد النسخ المباعة ، ولا في عدد المقبلين على الشراء ، ولا حتى في طرق العرض نفسها، وأيضاً طرق الدعاية والإعلان ، وموضع الكتاب نفسه من متجر البيع.

كل ذلك، وأمور أخرى تتدخل دائماً في انتشار المطبوعات التي ينزف فيها الكاتب عصارة حياته وخبراته السابقة، ليظل بين الأرفف متحملاً عيون الغافلين، وغبار النسيان، وإحباط الكتاب والمبدعين.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *