[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. علي عثمان مليباري[/COLOR][/ALIGN]

الحمد لله أن بلغنا رمضان، وها هي العشر الأواخر تهل بفضائلها وبشائرها، والواجب علينا اغتنامها بالمزيد من العبادات والطاعات، والتقرب إلى الله بالخيرات وترك الملهيات، وفي العشر الأواخر ليلة جعلها الله تعالى خيرًا من ألف شهر، قال سبحانه (إنا أنزلناه في ليلة القدر* وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر * سلام هي حتى مطلع الفجر) ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة في قوله صلى الله عليه وسلم \”تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان\”.
إن الهدوء الداخلي نعمة عظيمة لمن يعيش الرضا في أعماقه وسط زحام الحياة وضغوطها ومؤثراتها ومغرياتها التي تشوه النفس وتربك العقل وتوتر الأعصاب، فالرضا وحسن الظن بالله يشرحان الصدر ويعظمان اليقين الصادق بأن كل مفاتيح الفلاح والسعادة إنما هي بيد الخالق عز وجل.
ولقد أصبحت الحياة المعاصرة شديدة الوطأة في التأثير على الإنسان، وتزداد ضغوطها جيلًا بعد جيل، ولعلنا نتذكر الأجواء الروحانية العظيمة لحياتنا في الماضي في شهر الخير عندما كانت الحياة بسيطة والنفوس صافية والقلوب تتسابق إلى الخيرات، وكان في الوقت والأعمار بركة يشغلها الصائم بالعبادات والتسبيح والأذكار وصلة الأرحام والجيران، أما اليوم فقد طغى إهدار الوقت، وكأن رمضان هو موسم التسالي واللهو بما يتناقض مع روحانيات الشهر الكريم، وكأن بقية العام على مدى إحدى عشرة شهرًا من العام لا تكفي لهذا العبث.
ما أحوجنا إلى فضل العشر الأواخر لتنير طريق السعادة والرضا لمن أخلص فيها العبادة والعمل وتطهير النفس بالتوبة في حياة دنيوية هي عمل بلا حساب وغدًا حساب بلا عمل، فهل من عاقل يدرك حقيقة الدنيا ولا يسأل الله تعالى رحمته وعفوه ومغفرته بالعمل الصالح؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم \”من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه\”.
لهذا فإن حياتنا المعاصرة يجب ألا تأخذنا إلى الغفلة على حساب تعاليم الدين الحنيف والقيم والعادات والتقاليد الناصعة الجميلة، من التواد والتقارب والمسارعة إلى الخيرات، وتلمس أسباب التوبة لتطهير النفس من الخطايا والذنوب كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، فتكون السعادة في الدارين والرضا في الدنيا، وما أعظم ذلك عندما نأخذ بأسبابه ونثبت عليها باليقين والاحتساب للأجر العظيم عند الله تعالى في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
إن الاضطراب والتشويش الداخلي أصعب على الإنسان من مرض وعلل الجسد، لذا لابد من اليقظة واستقامة النفس بالتزود بأخلاق شهر الصوم وفضل العشر الأواخر.. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتم علينا رمضان وأن يتقبل صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا، وأن يكون هذا الفضل زادًا لنا بعد رمضان.

كاتب وباحث أكاديمي

[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *