استراتيجيات التفاوض الفعال
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عصام الكحلوت[/COLOR][/ALIGN]
كثيرًا ما نتعرض طوعًا أو اضطرارًا لخوض عمليات تفاوض مع طرف أو عدة أطراف بغية الوصول إلى اتفاق ما أو تفاهم يحقق نفع متبادل بين أطراف التفاوض ، هذه العملية قد تمر دون التوصل إلى تفاهمات ترضي جميع الأطراف ، أو دون أن تحقق أهدافها ، لذا كان من العبث أن نستمر في خوض مثل تلك المعتركات دون أن نقف على أصولها العلمية ومهارات إدارتها لتحقيق القدر الأكبر من الفعالية خلالها، و عادة ما تكون المفاوضات إما للوصول إلى دوافع شخصية أو تحقيق أهداف تنافسية أو كمحاولة لإيجاد حلول مبتكرة لمشكلة ما .
إن الإلمام بأسرار التفاوض أمر حتمي في عصر تشابكت فيه معطيات القوى المختلفة ، وتنوعت المصالح ، وتعددت فيه أشكال العلاقات بين الأفراد والمنظمات، حيث أصبح من الاستحالة أن يستغني احد عنه.ونظرا لأهمية التفاوض في تحقيق الكثير من الأهداف على الصعيدين المؤسسي والشخصي كان لا بد من الوقوف على أصوله وطرق تعظيم الفائدة منه .
ومن أهم قواعد التفاوض والتي يجب أن تبقى دليلاً خلال مختلف مراحله هي :أننا لا نحصل على ما نريده في هذه الحياة بل نحصل على ما نتفاوض بشأنه، كذلك :أن الإنتصار الحقيقي هو الوصول إلى أكبر قدر من المكاسب لا جميع ما نصبو إليه.
فالتفاوض هو عملية تبادلية يتم خلالها النقاش وتسوية بنودٍ ما ،تحقق أهداف أو بعض أهداف أطراف التفاوض .
ويعتبر التفاوض عملية ديناميكية يتم خلالها الاتصال بين شخصين أو أكثر يدرسون فيها البدائل للتوصل لحلول مقبولة لديهم أو بلوغ أهداف مرضية لهم.
وبالتالي فإن هدف التفاوض هو الوصول إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف، فالتفاوض الناجح هو الذي لا يكون فيه فائز مطلق أو خاسر مطلق، أما إذا اعتبر أحد الطرفين أن الهدف من التفاوض هو هزيمة الخصم وتحقيق الفوز بأي ثمن، فإن هذا قد يكون له مردودات سلبية وقد يؤدي إلى عكس المطلوب، بل ومن الممكن أن يخرج أحد الأطراف من التفاوض وهو في حالة من الشعور بالرضا عن إنجازه بينما هو في الواقع لم يحقق إلا بعض ما كان بإمكانه.
و تعد القدرة على التفاوض أمرًا لازمًا للتفوق في المعاملات في عدة مجالات ، فكلمة مفاوضات تعني بالأصل اللاتيني (negotiatus) أي\”الاستمرار في العمل، وعلى ذلك يمكننا القول أن القدرة على إدارة التفاوض لازمة للإنسان على كل الأصعدة بدءًا من داخل الأسرة مرورًا بالعلاقات الاجتماعية وحتى خلال العمل.
هناك مفهومين للتفاوض:مفهوم المواجهة : وهو المفهوم المبني أساسًا على التنافس القتالي الذي يكون فيه طرفًا فائزًا وآخر مهزوم ، وهذا هو التفاوض السلبي حيث يرى فيه المتفاوضان أنهما في معركة يحرص كل منهما على الخروج منها رابحًا وإلا عُدَّ هو الخاسر وهذا النمط من التفاوض غالبًا ما يؤدي إلى العدوانية وفقدان التركيز.
مفهوم التعاون: وهو المفهوم المبني أساسًا على النفعية المتبادلة حيث يعتقد كثير من الناس أن التفاوض هو وسيلة للتوصل لاتفاق، وهؤلاء يكونون ميالين بطبعهم للحلول الوسط، فهم لا ينظرون للأمور من جهة وجود منتصر وخاسر ولكن من جهة وجود رضًا متبادل وفوز لكلا الطرفين، ويرتكز عملهم على الحصول على القدر الأكبر من الفائدة ، وهذا هو المفهوم الصحيح للتفاوض والذي يقوم على اعتباره تعاونًا لا مواجهة، فهو فرصة للعمل المشترك بين طرفين لتحقيق هدف لا يستطيع أحدهما إنجازه بمفرده.
ولكي يكون المرء مفاوضا بارعا، فهذا الأمر لا يحدث بمجرد التمني، أو بمجرد قراءة بعض الكتب والأبحاث حول التفاوض وأصوله ، بل لابد من الممارسة و اكتساب الخبرة التطبيقية ، ولابد من إبراز تلك الخبرة عند المحك الحقيقي .
يستخدم غالبًا في لعبة التنس مصطلح كثيرًا ما يتكرر هو(اللعب بالخبرة)، ويشير إلى القدرة التنافسية الذي يصل إليها اللاعبون بعد لعب عدة مباريات مع منافسين لهم مما يوصلهم إلى أقصى حدود الخبرة في اللعب.
ومن أهم مهارات التفاوض القدرة على تقريب وجهات النظر والجمع بين الأهداف ودمجها وإبراز كل طرف لأهميته بالنسبة للطرف الأخر . كذلك فإن المعلومات تلعب دورا هاما في تحديد مراكز القوة في التفاوض، فبقدر ما يجهل الطرف الآخر عن نقاط ضعفك، بقدر ما يظن أنك قوي ، وبالتالي يكون موقعك التفاوضي أفضل. والعكس صحيح فمثلًا إذا كنت تعرض تحالف مع حزب مخالف لك ، فان علمه بضعف تحالفاتك الأخرى يجعلك في موقف أضعف من لو كان ظاهر تعاملك مع أحزابٍ أخرى هو القوة .
يجب على المفاوض أن يراعي عدة نقاط رئيسية خلال تفاوضه لكي يتسم بالفاعلية أهمها
التركيز على العرض الأول وجعله نقطة تأثير سيكولوجية، خلال عملية المساومة، فقد أظهرت الدراسات أن نتائج المفاوضات غالبا ما ترتبط بعلاقة مع العرض الأول، لهذا ينبغي البدأ من المكان الصحيح. كذلك يجب على المفاوض أن يحيط نفسه بهالة من الغموض وعدم الافصاح عن أي معلومات قد تبرز حاجته الملحة لما لدى الطرف الآخر ، بما في ذلك الدوافع والقيود والإلتزامات ، وفي المقابل ينبغي ان يكون قد جمع اكثر قدر ممكن المعلومات عن الطرف الآخر ، خاصة تلك الدوافع التي أدت به إلى إجراء التفاوض ونقاط ضعفه، ويعدّ هنا إظهار تلك المعرفة من خلال التلميح وسيلة قوية لإشعار المفاوض الآخر بقوة موقفك، والمفاوض الجيد يستطيع أن يقنع الطرف المفاوض له بقوته، في ذات الوقت يشعره بأنه لا يستخدم هذه القوة للوصول إلى أهدافه ، بل ولا يشعره بأن ما يصبو إليه هو انتصارًا في تلك المفاوضات ، ويتم ذلك من خلال العبارات الهادئة التي تبتعد عن العنف وتحدث شيئًا من الألفة بين المتفاوضين .
يقول \”مارك جوردن\” المتخصص بشؤون التفاوض وصاحب تعبير\” المساومة التعاونية\”:إن على الأطراف أن تبحث عن خيارات خلاّقة، وليس التركيز فقط على التنازل الذي سيتم تقديمه.( ينبغي أن تقتنع أنه يصب في مصلحتك أن تفتّش عن طُرق تُسدي فيها النفع الى نظيرك الذي يتفاوض معك. لا يعتبر هدفاً لك أن تتسبب في إيذائه، ولكن أن تساعده في حدود كلفة قليلة تقوم بتحملها، وأن تجعله يمد لك يد العون بكلفة غير مُرهقة. فبمقدار ما تكونا خلاّقين كطرفين تجاه تحقيق أشياء مفيدة لكما، فإن هذا يغمركما بالسعادة أنتما الاثنين.).
وقد يعتمد البعض على قوة موقفهم ولا يتفاوضون إلا فيما يحقق مصالحهم و كان هذا المبدأ شهيرًا لدى السوفييت : \”ماهو لنا فهو لنا، وماهو لك فهو خاضع للتفاوض\”.
ولكي تكون مفاوضًا مخضرمًا يجب أن تعتقد بأن المفاوضات لا تسير دائما حسب مسار يسهل توقعه، بل تصاب العلاقات أحيانا \”بالتوتر \” وقد تدفع التطورات غير المتوقعة بأحد الجانبين لأن ينسحب أو يجمد المفاوضات، وقد تتغير الظروف المحيطة بظهور منافسين جدد لك على طاولة المفاوضات الأمر الذي يجب أن تتعامل معه بمرونة وجاهزية من خلال الإحتفاظ ببعض الأوراق وعدم التسرع بطرح جميع ما لديك على مائدة المفاوضات منذ البداية ويتم ذلك من خلا وضخ خارطة طريق استراتيجية لعملية التفاوض .
وتكمن أهمية علم التفاوض في محورين رئيسبن :الأول: ضرورته والثاني: حتميته.
كما هو معلوم أن حياتنا العصرية ملأى بالمواقف التفاعلية على مستوى الأفراد والمنظمات بل وحتى الدول وأن جوانب حياتنا ما هي إلا سلسلة من المواقف التفاوضية. وتظهر ضرورة علم التفاوض ويزداد مدى الأهمية التي يستمدها من ديمومة العلاقة بين أطرافه.
أما إذا نظرنا إلى المحور الثاني. نجد أن علم التفاوض يستمد حتميته من كونه المخرج الأفضل المتاح لمعالجة القضية التفاوضية والوصول إلى حلول ايجابية قيما يخص المشكلة المتنازع بشأنها.
فكل طرف من أطراف القضية التفاوضية لديه درجة معينة من السلطة والقوة والنفوذ لكنه في الوقت نفسه ليس لديه كل السلطة أو النفوذ أو القوة الكاملة لإملاء إرادته وفرضها إجباريا على الطرف الآخر ومن ثم يصبح التفاوض هو الأسلوب الوحيد المتاح أمام الأطراف التي لها علاقة بالقضية وتريد الوصول إلى حل لها. وهناك بعض المفاهيم المرتبطة بعملية التفاوض منها الاستراتيجية والتقنيات والتكتيكات :
الاستراتيجية: تحدد رسم التوجهات والقيام بالأعمال الكبرى ووضع الهدف المرغوب تحقيقه ورسم خارطة الطريق المؤدية اليه و تجيب على السؤال: ما العمل؟
التقنيـات: وهي مجموعة النظم التي تحدد الكيفية التي يتعامل بها المفاوض مع الموضوع وتجيب على السؤال: كيف العمل؟ انطلاقا من مواضيع التفاوض.
التكتيكات: هي مبادرات ظرفية يستغل فيها المفاوض الفرص العارضة أو الظرفية لتجاوز العقبات وهي مرتبطة بكيفية القيام بالعمل في الوقت المحدد؟ وتتمحور غالبا حول البدائل وكيفية طرحها .وهناك قوانين تحدد نجاح التفاوض ينبغي على المفاوض ان يلم بها قبل شروعه في اجراءات التفاوض الخاص به.
التصنيف: