[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عبدالحميد الدرهلي[/COLOR][/ALIGN]

في امسية المتعلمين يتم اختزال وظيفة العلم والمعرفة في تحقيق المكاسب الذاتية في بناء المجتمع، وهو ما يسمونه امية حضارية فالأمي الحضاري هو صبي مزمن، ومراهق دائم، يظل قاصراً على المساهمة في بناء نسيج العلاقات الاجتماعية، والمقصود بذلك هو المقف الذي انعزل عن المجتمع، وعزل بالتالي رجل الشارع في خطابه فأسهم بذلك في زيادة هبوط مستوى الانسان العادي فكريا وثقافيا في كامل المجتمع.
هذه الفئة من بعض المتعلمين والنخبة عاجز عن ادراك لغة الناس، وذلك بسبب انقطاع صلتها بهم، وهي فئة تنظر الى الانسان العادي على انه قاصر، ولا ينبغي ان يخاطب فكرياً او ثقافياً، لانه دون مستوى ذلك، او لانه لا يتقن الا نوعاً محدداً من خطاب لا يروق ولا يليق بالمفكرين والمثقفين.
مما زاد في هبوط المستوى الفكري والثقافي للعامة في بلادنا العربية ان بعض هذه النخبة المتعلمة اختزلت واقتصرت في خطابها على الشعارات فقط، او ما يشبه الشعارات كالحماسة والتحريض ومخاطبة الغرائز، ومما زاد الطين بلة ان رجل الشارع قصرَّ في المطالبة بحقه في خطاب يلائمه، بل واكثر من ذلك فقد فرط في هذا الحق الذي امتلكه في مراحل عابرة الى ان وصل هذا الانسان الى مرحلة يزدري فيها الفكر والثقافة، ولا يخاطب الا بتبسيط ساذج.
ازدراء الفكر والهزء بالثقافة والتقليل من شأنها صار سمة شائعة لمجتمعاتنا، وخصوصا عند العامة وانصاف المتعلمين، لصالح هموم الحياة الاخرى، ما اوصل الى نظرة للفكر والثقافة على انها نوع من الترف من حق الاغنياء المترفين وحدهم ممارسته.
الفكر والثقافة هما مكون اساسي لاي شعب، ولاية امة، اذ لا يمكن نهوض اية امة مع اقصاء وتهميش اي مكون لها، فالقضاء على الامية الحضارية لا يتم بزيادة المدارس، بل بتحويل التعليم والثقافة من عمليات معرفة ذات اهداف تكديسية او مكسبية الى عمليات تصنع المتعلم الفعّال. ليكون طليعة حية في احداث التغيير، فالفكر والعمل منظومة متكاملة لا تجوز تجزءتها إذ إن الفكر يفقد قيمته العملية ما لم يكن قابلا للتطبيق والعمل به.
الفرد في بلادنا صار عاجزا عن الجمع والتوفيق بين عمله وتفكيره في الوقت ذاته، فلا رابط بين جهد الفرد الفكري وجهده العملي، انفصام في الشخصية والحياة قاد الى شلل اصاب المستويات الاخلاقية والاجتماعية والعقلية في حياة الناس، وهو ما اصبح صفة عامة لكل المجتمعات في العالم الاسلامي، او ما يسمى كذلك.
فمن المسلم به ان هذه المجتمعات تعتبر ان الاسلام دين كامل، لكن الامية الحضارية وآلية الشلل قادت هذه الحقيقة في ضمير بعض الفئات الاسلامية الى نتيجة اجتماعية مؤداها \”نحن مسلمون\” اذن نحن كاملون.
فلا عمل ولا ابداع ولا تطوير بعدها، فالجتمع الكامل لا يحتاج سوى التقليد وتكرار ذاته في رحلة ابدية مغلقة من التخلف هذه النتيجة هي جوهرها \”قيمة خلقية\” قاد اليها شلل خلقي اقعد المجتمع والجماعة حين جعلها غير قادرة على زيادة جهدها الضروري، واللازم لنهوض المجتمع والفضل في هذا الفضل المرير يعود لامية متعلمين هي اخطر في مضامينها ونتائجها من امية الجاهلين بالقراءة والكتابة.
لنا ان نترحم هذه الافكار التي لا تموت، وعلى صاحبها الجزائري \”مالك بن نبي\” الراحل قبل اكثر من اربعة عقود فالحقيقي لا يتبدد، خصوصا اذا كان جوهر دعوته \”ازالة نوازع القابلية للاستعمار قبل كفاح المحتلين\” وان الدين حركة اكثر منه مكونا داخليا.
عن التقدم الفكري
في موضوع التقدم الحضاري تستطيع الشعوب والدول حرق مراحل التقدم المعماري والاقتصادي والتقني وغيرها من طريق الشراء فالمال يوفر الناطحات وبناء المصانع وشراء التكنولوجيا واستخدام الحاسوب والسيارات الفارهة واستخدام الطائرات الحديثة ووسائل النقل من قطارات متطورة وغيرها.
كل هذا وغيره باستخدام المال وتحقيقه ضمن سنوات محدودة وقليلة الا الفكر، اي التقدم الفكري، لا نستطيع تحقيق التقدم الفكري بحرق مراحل الزمن فالتقدم الفكري يحتاج الى وقت وزمن طويل حتى يصبح ناضجا كالفاكهة تماما ويؤتي ثماره.
فالدول المتقدمة فكريا احتاجت الى قرون عديدة لتغيير عقلية الناس وتطوير الفكر، وعاشت من مآسي الصراعات والحروب وصراع الطبقات قرونا عديدة حتى وصلت الى ما وصلت اليه من تقدم حضاري، واقتصادي وسياسي واجتماعي وعلمي وتكنولوجيا مثال ذلك الدول الاوروبية المتقدمة واليابان والصين وامريكا وغيرها.
المشكلة في العالم العربي والاسلامي او الازمة الحقيقية هي بالتخلف الفكري انجزنا في مجالات التقدم العمراني والصناعي وغيرهما عن طريق المال، ولكن مازلنا نعاني من تخلفنا الفكري واسباب ذلك عديدة، منها على سبيل المثال التفسير الخاطئ للاديان والتفسيرات والافتاءات التي تصدر عن اناس ومجموعات فهمت وافهمت الناس بأمور عديدة لا علاقة لها بالدين. والامر الآخر الموروث الديني التاريخي الطويل ان كان سياسيا او اجتماعيا والمتوارث جيلا بعد جيل دون تطوير يذكر.
فخلاصة القول هذه المعوقات وغيرها وقفت سداً منيعاً امام التقدم الفكري ولا سبيل الى ذلك التقدم الا بتحرير العقل لان العقل هو مطبخ الفكر، اذا توقف العمل توقف الفكر، واذا تحرر العقل تقدم الفكر.
مدير عام وزارة التخطيط/ متقاعد
فاكس 6658393

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *