[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]حمادة فراعنة[/COLOR][/ALIGN]

إنهم يسرقون القدس عينك عينك، مثلما سرقوا الجزء الأكبر من فلسطين، ويعملون ليل نهار على تهويدها وأسرلتها وصهينتها، أمام العالم العربي والإسلامي والمسيحي، ويتم تغيير معالمها وتدمير تاريخها وسلب حضارتها، وجعلها من لون واحد: يهودي إسرائيلي صهيوني، مستغلين ضعف أصحابها الفلسطينيين المطاردين بالضرائب والرسوم الفاحشة التي لا يمكن تحملها، والمخالفات التي لا يملكون دفعها، فتتم مصادرة أملاكهم وعقاراتهم وبيوتهم ومشاريعهم، والانقضاض عليها، ومن خلالها تتم تغيير نوعية سكانها وأهلها بعد إفقارهم وتخريب حياتهم وإبعادهم وجعلهم مطاردين أمام الحاجة والضرائب والرسوم والمخالفات، وغياب الإنتاج والتنمية ومتطلبات الحياة، وزعيق العرب والمسلمين والمسيحيين ودعواتهم للفلسطينيين ولأهل القدس أن اصمدوا، وهم صامدون، ليس فقط حباً بالقدس وعشقاً لبلدهم، بل لعدم توفر البدائل المتاحة، فالانتقال إلى خارج القدس يعني مزيداً من الإفقار وغياب الهوية وعدم توفر المكان الآمن والعمل المريح والطمأنينة المفقودة، مرارة العيش في القدس، أقل قسوة وسوءاً من الهروب منها وعنها، ولذلك سيبقى أهل القدس مثل كل أهل فلسطين مخزوناً للرغبة في الحياة والحرية والهوية والقومية والدين، وضد الاستعمار والعنصرية والصهيونية والأسرلة والتهويد.
في المنافي عشنا في المخيمات محاصرين بالأمن والشتائم والفقر، فكان التعليم ملاذنا، والصبر طاقتنا والثورة حلمنا وأملنا، وكانت الثورة هي الرافعة والعنوان والتنظيم والإرادة، فأعطتنا الكرامة قبل أي شيء آخر، وأعادت لنا هويتنا المبددة، ووضعتنا على الخارطة السياسية كند لأولئك الذين عشنا معهم وصمدنا في المنافي والشتات حتى كانت الانتفاضة الأولى لشعبنا في مناطق 67، بعد ما توفرت لهم كل مقومات الصمود والاستمرارية.
انتفاضة 87 في الضفة والقدس والقطاع، نقلت المعركة من المنفى إلى الوطن، وانتصرت باتفاق أوسلو العام 1993 على ما به من عيوب وسقطات وفواجع، حيث أقر فيه، ومن خلاله المعسكر الإسرائيلي الأميركي بالعناوين الثلاثة والاعتراف بها: أولاً: بالشعب الفلسطيني وثانياً: بمنظمة التحرير الفلسطينية وثالثاً: بالحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني.
وعلى أرضية هذا الإقرار وهذا الاعتراف تحقق أولاً الانسحاب الإسرائيلي التدريجي من المدن الفلسطينية غزة وأريحا أولاً العام 1994، وتحقق ثانياً عودة أكثر من ثلاثمائة ألف فلسطيني مع الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى الوطن (خلال خمس سنوات 1994- 1999)، وأدى ثالثاً إلى ولادة السلطة الوطنية كمشروع تدريجي لبناء المؤسسات وصولاً نحو الدولة، ولكن الأكثر من هذا وذاك تم نقل الموضوع الفلسطيني برمته من المنفى إلى الوطن، فباتت فلسطين هي أرض الصراع لا خارجها، وبرز العدو واضحاً جلياً لا لبس فيه.
مشروع إقامة الدولة المستقلة واستعادة شعبنا لحقوقه، عبر المفاوضات، أفشلها العدو الإسرائيلي الذي قتل رابين وعطّل الانسحابات التدريجية وواصل الإستيطان بحوالي سبعمائة ألف مستوطن في الضفة والقدس وألغى عملياً التدرج العملي لتطبيق اتفاق أوسلو المتعدد المراحل، فالمبادرة غدت اليوم بيد إسرائيل كالقيادة السياسية والجيش والمستوطنين، وهم الذين يقومون بالهجوم العسكري والمدني، والاستيطان وتدمير الممتلكات وتشويه الوقائع على الأرض، مستفردين بالشعب الفلسطيني اعتماداً على العوامل الثلاثة التي يملكونها 1- التفوق 2 – الدعم الأميركي 3 – الانهيار والتمزق العربي.
لاستعادة المبادرة يجب أن تكون الخطوة الأولى من شعبنا، من فلسطين، مسنوداً بدعم الجاليات الفلسطينية المنتشرة في العالم، ومن العرب والمسلمين والمسيحيين، وأصحاب الضمائر الحية، وهذا لن يتم من الصفر، بل ثمة إنجازات كبيرة قد تحققت على الطريق، ولكن الخطوة لاستعادة زمام المبادرة، يجب أن تبدأ من هنا، من فلسطين.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *