[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]شريدة المعوشرجي [/COLOR][/ALIGN]

نرى الرجل يدخل الديوانية، وبعد أن يسلم يطلق العنان لنفسه ويتحدث بآخر ما وصل إليه من معلومات لم يتعب نفسه من التأكد منها والتيقن من صحتها فليست هذه مهمته، المهم أن يحوز السبق بنقلها لكل الديوانيات التي اعتاد زيارتها كل ليلة، ثم يقوم ليخرج ويذهب إلى ديوانية ثانية ليعيد ما تكلم به في الأولى على مسامع رواد الثانية، ثم يكرر ذلك في الثالثة والرابعة وهكذا دون أن يتوقف عند الملاحظات التي أبداها رواد تلك الديوانيات، أو يصحح المعلومات التي شكك فيها البعض أثناء تعليقهم على كلامه، أو التعديلات التي ذكرها آخرون.
الرجل اعتاد الحديث دون الاستماع، لذلك فإنه لا يمل من تكرار حديثه كل ليلة عشرات المرات، حتى تصل إليه معلومة أخرى فيبدأ باجترارها كسابقتها وهكذا الحال عند من احترفوا السياسة مهنة عندنا، فهم يتحدثون ولا يستمعون، وهم لا يملون من الحديث ولا يستحون من تكراره، ولا يتراجعون عن معلومة تم التشكيك فيها، ولا يخجلون من خبر أشاعوه وثبت عدم صحته، يقف الواحد منهم ليهاجم غيره ويكيل له الاتهام تلو الآخر، فإذا انتهى وقام خصمه ليرد، ترك المكان دون أن يتعب نفسه بالاستماع إلى الرد، فقد أدى مهمته، واستكمل مقصده، ولا يهمه بعد ذلك إن كان ما قاله صحيحاً أو غير صحيح، والأمر هذا لا يقتصر على فريق دون الآخر، فالجميع (والحمد لله) مشتركون في هذه الخصلة، ومتماثلون فيها.
لذلك أصبح من الصعب، بل من المستحيل الوصول إلى طريق مشترك يستطيع أن ينتشلنا من العجز شبه الشامل للدولة، ويضعنا على بداية السعي لتحقيق بعض أحلامنا وطموحاتنا.
إذا لم تلجم السنون الطويلة طيشك، ولم تضبط اندفاعك غير المحسوب، ولم تعلمك الحلم، والصبر الجميل، وآداب التخاطب، وحسن المعاملة، والاستماع للرأي الآخر، والتراجع عن الخطأ، والميل إلى الصلح، والتعالي على سفاسف الأمور، وانتقاء المفردات، وتحديد الأولويات، والانحياز إلى الباقيات الصالحات، فاعلم أنك على جرف هار من النار، فالحذر الحذر، فإن ما بقي أقل بكثير مما قد مضى والعاقبة للمتقين.

كاتب كويتي

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *