[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. علي عثمان مليباري[/COLOR][/ALIGN]

لايمكن أن تعيش آمنا مطمئنا على سلامتك وحياتك في مبنى لا أساس له، ولا يمكن تشييد عمارة بأساس سليم في أيام ولا أسابيع مهما توفرت الامكانات، لكن هدمها لا يستغرق سوى ساعات ان توفرت الامكانات. وكذا بناء الأخلاق، فهو عمل طويل يحتاج مثابرة ، والأصعب منه استمرارها وتقويتها امام مغريات الدنيا ومجاهدة النفس الأمّارة بالسوء.وقيام أسرة جديدة يحتاج إلى نوايا طيبة وأساس متين، والمحافظة عليها تستوجب ما هو أهم وأبقى من المال ومن الأساسيات والكماليات، إنها دعائم المودة والرحمة والصبر والحوار الذي تعمر به الحياة السوية، بينما تشتعل وتنهار سريعاً بالكلمات الجارحة للمشاعر والإيذاء النفسي ، وصولاً إلى العنف بالكفوف والعقال وربما الرفس تأكيداً للقوة وإمعاناً في إهانة الطرف الأضعف.
الأخلاق أساس كل شيء في الحياة وهي منظومة متكاملة من القيم النبيلة والفضائل الجميلة، والأخلاق لا تحتاج إلى إمكانات لتبنيها، وإنما تكمن في الكلمة الطيبة وهي عند الله صدقة، وفي المشاعر الناصعة والمواقف الإيجابية، وشهادة الجودة للأخلاق هي تقوى الله: «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً»، وقال صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فما أحوجنا إلى جودة الأخلاق والوعي والتمسك بها في زمننا هذا.ومن المفارقات أن الإنسان الهدام والشرير والمؤذي والمنحرف يعرف جيداً قيمة الأخلاق ويحسد أصحابها على جمال نفوسهم ودواخلهم، لكنه لا يجدها في نفسه ولا يجد نفسه فيها، ولا يبحث عنها ولا قدرة له على إحيائها في دواخله تجاه الآخرين، ويستصعب الالتزام بها لأنها تعطل أدواته من الشر وتلزمه بالاستقامة، لذلك لا غرابة أن تجد من يتفاخر بالظلم وسوء الأخلاق، ويرشي ويرتشي ويعتدي على العام والخاص من الحقوق والأموال.
والنقد أيضاً له أخلاق وأسس، وفرق كبير بين النقد السلبي الهدام وبين النقد الذي يحترم العقل ويخاطبه ويقدم الحلول، فالهدم نواياه غير بريئة أو يصدر عن جهل، ويقوم على الشائعات ويستخدم التشويه ويستهدف الإساءة. والمؤسف أن يتحول النقد إلى موضة وعدوى تشكيك وإساءات على الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي بزعم الحرية، فغاب صوت العقل وسط فوضى الرأي، وأصبح كل واحد ناقداً معجباً برأيه بل يرى نفسه أفضل النقاد وشيخهم بالمبالغة في إساءاته.
هذه الأجواء تغتال الأخلاق بسرعة هائلة في عصر الثورة المعلوماتية التي تؤجج تناحرات وخلافات تفسد للود كل قضية، صغيرها وكبيرها. وتأملوا صراعات الرأي بلسان عربي، وتـأملوا المشاهد اليومية على مدار الساعة في دول شقيقة دخلت في خريف مخيف من الفوضى العارمة، وسوء الرأي والصراع الذي يحرق كل شيء، فالكل ينتقد بسوداوية ويتربص وينتقم باسم الحرية، ولا أحد يسمع أحداً ولا طرف يتقبل الآخر ولا يطيق اسمه ولا اتجاهه، وغاب صوت العقل ولا مكان للعقلاء ونسوا قوله تعالى «وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان». إنها الفتنة المنتنة، وإنما بالقيم والأخلاق والحوار والحكمة والرشد والتعاون والعمل تبنى الدول وتبقى وتتطور. والحمد لله على نعمة العقل.
كاتب وباحث أكاديمي
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *