[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. علي عثمان مليباري[/COLOR][/ALIGN]

لا إعاقة مع الإرادة، هكذا علمنا الشاب عمار بوقس من خلال فيلم \”عمار\” الذي يحكي قصته منذ انطلاق صرخته الأولى قبل 26 عاماً في أحد مستشفيات أمريكا. تلك الصرخة البريئة أتبعها حزناً شديداً ملأ صدر والديه نتيجة إصابة عمار بمرض نادر أدى إلى حدوث شلل كامل في جسمه لا يتحرك فيه إلا العينان واللسان فقط.فيلم \”عمار\” الذي لم يتجاوز الست دقائق وانتشر عبر اليوتيوب بصورة هائلة قدم دروساً في الكفاح والإرادة، ابتداءً من إيمان الأب الكبير بالله سبحانه وتعالى، وعدم تضجره من إعاقة إبنه، فأكرمه الله بأن عاش عمار أكثر مما توقعه الطبيب منذ ولادته، ثم حرصه على أن يعوض عمار ما كان ينقصه، واهتمامه بتعليمه لينشأ إنساناً فاعلاً ومواطناً مؤثراً في مجتمعه.
عمار الذي يروي قصة تفاؤله، كان يخفي ألماً في داخله وهو يتحدث عن المصاعب التي واجهها بعد عودته للمملكة مع أهله، انطلاقاً من الالتحاق بالمدرسة، ومروراً ببعض المواقف المخجلة للتعامل مع ذوي الإعاقات، والتي لو استسلم لها عمار لما واصل حياته وأكمل تعليمه، إلا أنه أثبت وجوده وقدرته على منافسة أصحاب الأجساد السليمة، فتفوق في دراسته وأتم حفظ القرآن في سنتين وأنهى تعليمه الجامعي بتفوق محققاً المرتبة الأولى على جامعة الملك عبدالعزيز في قسم الإعلام، ثم أصبح صحفياً رياضياً كما كان يحلم منذ صغره.عمار بوقس الذي ملأ الأرض سعادة وحيوية وإبداعاً، أعطى من خلال دقائق فيلمه القصير خلاصة 26 عاماً وما تحتويه من تحديات ومواقف مؤثرة واجهها بروحه الطموحة. لم يرتهن لعجز جسده عن الحركة، ولكنه خطط لصعود سلم المجد درجة درجة، أعطى دروساً في الصبر والكفاح، وحرك عجلة الإبداع بفكره وروحه الوثابة، ليثبت أن العقل والإرادة والعزيمة قيم إنسانية عليا، وليؤكد أن التحدي مهما كان صعباً فإن تجاوزه سهل بوجود همة عالية وإرادة قوية ونفس شغوفة تتوق إلى التميز والنجاح.ونحن إذ نثني على إرادة وعزيمة عمار الذي يعمل الآن معيداً في إحدى جامعات دبي، إلا أننا نشيد أيضاً بوالديه اللذين يستحقان كل التقدير والاحترام بسبب مساهمتهما الكبيرة في تحقيق أهداف ابنهما رغم كل المعوقات والصعوبات التي واجهتهما.
بعد مشاهدة الفيلم الجميل، تساءل الكثير منا، كم مثل \”عمار\” بيننا؟ وكم شخص بيننا قدر الله له الإعاقة، ولكن والديه ليسا كوالدي عمار؟ ولعل عمار يريد من خلال الفيلم، الذي أبدعه المخرج بدر الحمود وتابعه أكثر من مليون ونصف المليون مشاهد في أقل من أسبوع، أن يوجه رسالة للآباء والأمهات الذين لديهم أبناء من ذوي الاحتياجات الخاصة أن يعملوا على دمجهم في المجتمع وأن لا يخجلوا من إظهارهم أمام الناس بسبب إعاقاتهم، وأن يقوموا بواجبهم في استثمار قدراتهم لجعلهم عناصر فاعلة في مجتمعنا بدلاً من أن تبقى طاقاتهم مهدرة ويكونون منغلقين ومنكفئين على أنفسهم، فيعادوا المجتمع والبيئة التي تحتضنهم.
شكراَ عمار، ستبقى رمزاً ملهماً للجميع، شباباً وشيوخاً، رجالاً ونساءً، وستظل قصتك في نفوسنا.
كاتب وباحث أكاديمي

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *