فهد بن محمد علي الغزاوي

تسعى التربية عموماً إلى السلوك القويم وتهدف إلى تطبيع الإنسان وتكيفه في مجتمعه وكذلك نموه بعيداً عن التشدد أو التعصب أو الاستبداد بالرأي أو التعالي والتميز العنصري على الآخرين. كما تهدف أيضاً إلى التواصل وبناء العلاقات الإنسانية بين الأفراد والجماعات. من هنا كانت المناهج التعليمية هي وحدة متصلة يتحقق من خلالها أغراض الأفراد والجماعات وحتى الدول، فالمناهج تبنى على الخُلق والإبداع والتميز المعرفي بين الأفراد والجماعات لا التميز الطبقي ولا التعصب بالرأي ولا التشدد في الأحكام، ومن هنا كان على المعلمين والعلماء والأنظمة السير بموجبها وعدم الخروج عنها لأنها تمثل أهداف الدولة العليا التي تسعى إلى تحقيقها في أبنائها، وما نشاهده اليوم في مناهجنا وما خرجت عليه المناهج الدينية في الصف الأول الابتدائي في مادة الفقه من تحريم السلام على الآخر.. هو في حد ذاته خروج عن مبادئ التربية كما هي تدمير لوحدة المناهج بأهدافها العامة والخاصة، لذا كان لابد من إشراك العناصر التربوية في بناء أي منهج لمراعاة أصول وقواعد بناء المناهج، أما أن ينفرد المختصّون غير التربويين ببناء المناهج واختيار عناصرها وأساليبها وعناوينها دون حضور المختصين التربويين وإشرافهم على المحتوى المنهجي، فهذا عين الخطأ. وهذا ما أكده عميد كلية التربية بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور حسن عايل بأن منهج العلوم الدينية قد بُني بالوزارة بحضور العلماء المتشددين المختصين بالمواد الدينية دون حضور أي عنصر تربوي بينهم مما عكس معه خروج المناهج الدينية بالشكل والصورة التي رأيناها عليها. نحن من هذا المنبر كتربويين نطلب من مقام سمو وزير التربية والتعليم ضرورة إشراك العناصر التربوية المؤهلة في بناء المناهج سواءً كانت دينية أو علمية أو لغوية، لأن التربويين هم أقدر الناس على الموازنة والمفارقة والمقارنة بين حاجة الطالب ومرحلة نموه ومتطلبات الحاضر والمستقبل. فالتربوي هو أقدر الناس تعاملاً مع الطلاب القادمين من بيئات مختلفة كما أنه أقرب إلى المنهج من غيره غير التربويين.. يحرص دائماً على أن يسدد ويقارب ما استطاع مُراعياً عمر الطالب والمرحلة التعليمية والمواد المُلائمة في ظل أهداف الدولة التي تسعى إلى تأكيدها في نفوس أبناءها.
وإن كنتُ أرى أن انفراد غير التربويين ببناء منهج معين هو تعدّي على حقوق الأمة بأكملها لأن بث روح الكراهية أو التفريق أو التشدد أو العنصرية بين الأجيال هو ما نُسميه بالعامية ((دس السم في العسل)).
كما أن ديننا الحنيف يحثنا على إفشاء السلام ورد التحية بمثلها أو أحسن منها ولا يحتاج أن نسأل من أين هذا الشخص أو من أي فئة دينية حتى نرد عليه السلام أو نرفضه، كما جاء في منهج مادة الفقه للصف الأول الابتدائي وحتى لا نبث في أبناءنا الحقد والكراهية والعنصرية بين هذا وذاك، فلابد لوزارة التربية والتعليم من وقفة حازمة لكل من يخترق هذا الجدار العازل حيث أن الكثير ممن يخترقون هذا الجدار هم لا يدركون حقيقة ما ندعو إليه وليس لديهم الاستعداد لتفهم معنى الحوار أو التطبيع، وقد حرصت حكومة المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين على إزالة الإساءة بكافة طرقها وأساليبها وتنقية المناهج من كل ما يسيء للإسلام وتطبيع أبناءها للتعامل مع العالم الخارجي دون تميز أو عنصرية أو أذى، ومن هنا كان لابد لإخواننا الدعاة والمفكرين والعلماء البُعد عن التشدد والإصرار بالرأي والتقيد بنهج خادم الحرمين الشريفين في التطبيع المنهجي والخلقي والديني.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *