أُسلوب التدرج والصدمات في إنفاذ السياسات

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue] د.أحمد الشوابكة[/COLOR][/ALIGN]

تجربتان سياسيتان إسلاميتان في كل من تركيا ومصر تصلحان للمقارنة، وبيان اوجه الشبه والاختلاف رغم التفاوت البائن في عمر كلٍ منهما.كلا البلدين لهما تاريخ زاهر ومرجعيّة دينيّة واحدة، ويتمتّعان بموقع استراتيجي هام، ومساحة أرض واسعة، وعدد من السكان كبير وثروات طبيعية وافرة، وامتدادات جغرافيّة وبشريّة عريقة، كلٌّ في قارتها، وعلاقات صداقة مع دول كبرى فاعلة وعداوة شعبيّة لعدوٍ مشترك رغم العلاقات الرسميّة الاضطرارية لكليهما معه.تُحكم البَلَدان من حكومات ذات مرجعيّة دينيّة إسلاميّة، جاءَت عبر انتخابات شعبيّة صادقة وشفافة، والفرق بينهما في هذا المجال أن عمر التجربة المصريّة أقل من عام وامتداد التجربة التركيّة لعدة أعوام.ورغم قصر فترة الاقتران، إلاّ أنّ الملامح العامة لمسيرة كل من التجربتين تمنحنا الفرصة لعقد هذه المقارنة، وممّا يشجّع عليها أن ما واجه كلا التجربتين من مشاكل وعقبات داخليّة وخارجيّة تتشابه إلى حدّ التطابق؛ ففي كل منهما هناك قوّة العسكر العاتية ومؤسسة القضاء الطاغية والبيروقراطيّة والبطالة والمديونيّة القاتلة، والعجز المالي وفلول النّظام السابق وأركان «الدولة العميقة» تكاد تكون واحدة!
وجاء الاختلاف في الممارسة تبعاً لاختلاف ظروف التجربتين فيما قبل الحكم؛ حيث أتيحت للتجربة التركية فرص حقيقية للمشاركة في الحياة السياسية في انتخابات وتشكيل حكومات، إلى جانب مشاركة فاعلة في الانتخابات البلدية وفوزهم بحظ وافر فيها، مما وفّر لهم فرصة عملية حقيقية لممارسة الحكم والإدارة، وإبراز حالات نجاح عالية التقدير بين الأوساط الشعبية شكّلت رصيداً ثميناً للنجاح في الانتخابات البرلمانية، انتهت بهم إلى الحصول على الأغلبية التي مكّنتهم من الانفراد بالحكم، رئاسة وحكومة وبرلماناً.
قامت التجربة التركية على أساسٍ من التدرّج وعدم الاستعجال، والبعد عن أسلوب الصدمات المفاجئة مع مراعاة صارمة لنصوص الدستور والقوانين النّاقدة، فكان التغيير في كل المواقع والسياسات والأشخاص متدرجاً و»مقونناً» و»مدستراً»، لم ينتج عنه أي هزّة أو ردود فعل معاكسة، حتى أوشكت أغلب مفاصل الإدارة والحكم في قبضة الحزب الحاكم.على خلاف ما يحدث في مصر، التجربة المصرية حديثة عهد بالمشاركات السياسية، وكانت مقتصرة على مشاركات محدودة في الانتخابات البرلمانية وتحت مظلة أحزاب أخرى، ولم تكن أصلاً بقصد إعطاء فرصة حقيقية لهم بمقدار ما هي لمعرفة الوزن الحقيقي شعبياً لهم.
قترنت قلة الخبرة وضعف التجربة مع هاجس الاستعجال، والرغبة في الإنجاز السريع، والرضوخ لضغط الشارع، والخوف من المستقبل، وكثرة المنافسين والمتربصين، كلّ ذلك رجّح اعتماد أسلوب الصدمات في حل المشكلات ومواجهة الأزمات؛ مما يعني بالضرورة تجاوزاً لنصوص دستورية وقوانين نافذة وأعراف وتقاليد مرعيّة، مما أدى إلى كثير من العثرات، وهيّأ بيئة مناسبة لكثير من النزاعات والخلافات في الشارع، ومع بعض النّخب والأحزاب والسلطات، ومما يؤشّر على أن المسيرة لن تكون سهلة، واحتمالات الفشل في محطة أو محطات غير مستبعدة، وأن النّجاح والإنجاز سوف يأخذان مدى أطول وتكاليف أغلى وأكثر.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *