أية دولة فلسطينية يقدمها أوباما ونتنياهو؟

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]مهند عبد الحميد [/COLOR][/ALIGN]

إذا أردنا تلخيص المضمون الإيجابي لخطاب أوباما، فسنجده في الموقف الذي يعتبر: المستوطنات غير شرعية ولا بد من وقفها بما في ذلك وقف النمو الطبيعي. لقد أصاب أوباما في موقفه هذا، لأن الاستيطان نقيض الحل السياسي، فبقاء نصف مليون مستوطن إسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة يجعل من إقامة دولة فلسطينية مسألة مستحيلة. هذا ما قالته برامج المستوطنين صراحة منذ أن شرعت منظمة (غوش أمونيم) في بناء أول مستوطنة وحتى الآن.
خطاب نتنياهو أفرغ خطاب أوباما من مضمونه وجعله بلا معنى، عندما أكد مواصلة الاستيطان وخاصة في مدينة القدس العربية التي اعتبرها خارج إطار أية مفاوضات. وعندما قدم تصوره للدولة الفلسطينية التي لا تمت بصلة لمقومات الدول الكبيرة منها والصغيرة، على حد سواء، بل هي معازل فصل عنصري في قبضة دولة الاحتلال.
الدولة الفلسطينية الحقيقية تعني: أولاً ـ وقف الاستيطان. وثانياً ـ إزالة المستوطنات. من يرفض الدولة يواصل الاستيطان، ومن يقر بالدولة يوقف الاستيطان. هذا هو المدخل الحقيقي لحل الصراع. وهذا ما اكتشفته لجنة ميتشل في العام 2001 عندما تقصّت الحقائق في الأراضي الفلسطينية ورفعت تقريرها الذي أكد مسألتين: الأولى ـ لا يمكن وقف \”العنف الفلسطيني\” (الانتفاضة) إلا إذا توقف الاستيطان بمختلف أشكاله بما في ذلك النمو الطبيعي. الثانية ـ التفاوض الثنائي الفلسطيني الإسرائيلي لن يتوصل إلى نتائج حاسمة دون تدخل أطراف خارجية.
ومن أفكار ميتشل انطلق الرئيس أوباما. وكانت بداية في الاتجاه الصحيح.
إدارة بوش عملت على النقيض من استنتاجات وتوصيات ميتشل، فلم تحرك ساكناً ضد الغزو الاستيطاني للأراضي الفلسطينية ولا ضد جدار الفصل العنصري وتهويد مدينة القدس. وجاءت المواقف الأميركية العملية لتشكل غطاء لتدمير مقومات حل الدولتين. ولم تخدش أقوال بوش حول دولة فلسطينية قابلة للحياة مشروع (الأبارتهايد) الإسرائيلي على الأرض.
نتنياهو في خطابه وفي برنامجه كان واضحاً في عدائه للدولة الفلسطينية، ويسجل له انسجام أقواله مع أفعاله خلافاً لألمرت وليفني وباراك الذين فعلوا الضد مما قالوا، ومارسوا الخداع. لكن وضوح نتنياهو لا يغير من حقيقة الدمار الذي حصل، والذي بدأ يلحق بالعملية السياسية وحل الدولة الفلسطينية مزيداً من الدمار. نتنياهو في خطابه وسلوكه الميداني نقل العالم من محاولة حل الصراع ـ التي أوحى بها أوباما ـ القهقرى، نحو حالة إدارة الصراع المترافقة مع صناعة وقائع إضافية على الأرض. وللمؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية باع طويل في امتصاص وتعطيل وشطب كل عناصر المبادرات السياسية التي لا تروق لإسرائيل، ولها باع أطول في التقاط كل العناصر التي تضعف الطرف الفلسطيني وتفعيلها. وكل ذلك يتم عبر افتعال وتعظيم المخاطر التي تهدد \”الوجود الإسرائيلي\”. والأهم من ذلك هو تسلح نتنياهو وأركان حكومته بخبرة تصنيع رأي عام إسرائيلي ويهودي خارجي ـ استناداً للمخاطر المزعومة أو المبالغ بها ـ يلتف حول السياسة الإسرائيلية. وهنا تشير استطلاعات الرأي العام إلى أن 71% من الإسرائيليين يتفقون مع مضمون خطاب نتنياهو. في حين أن 82% من اليهود الأميركيين يعتقدون أن هدف العرب هو تدمير إسرائيل. غير أن 64% من اليهود الأميركيين يؤيدون سياسة أوباما. الحكومات الإسرائيلية تصنع الاستيطان وتصنع الرأي العام الإسرائيلي واليهودي المقتنع بخطر وجودي. وتستند في صناعة الجزع الذي يصل حد \”جنون الارتياب\” إلى خطاب الإسلام السياسي وخاصة الخطاب الذي قدمه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ودعا فيه إلى إزالة دولة إسرائيل من الوجود، وإلى العمليات العسكرية التي تستهدف مدنيين إسرائيليين من فصائل الإسلام السياسي. وعندما يلتف معظم الإسرائيليين حول سياسة نتنياهو اليمينية المتطرفة، فإنه يحاول توظيف ذلك الالتفاف في قطع الطريق على الضغوط التي قد تمارس على حكومته.
الجديد في الأمر أن موقف الرئيس أوباما الذي اعتبر خطاب نتنياهو خطوة كبيرة للأمام، وكذلك موقف الأوروبيين الذين اعتبروا خطاب نتياهو خطوة صغيرة إلى الأمام، خيب آمال الكثيرين ممن راهنوا على الانتقال إلى مرحلة حل الصراع بقيادة أوباما. لم يخرج أحد من بين صفوف المعتدلين يؤيد وجود خطوة كبيرة ولا صغيرة في الطريق الطويل المفضي إلى إنهاء الاحتلال. وهذا يشي بان إعادة بناء الأوهام وتسويقها لم يعد بالأمر اليسير. فلم يعد الصراع يحتمل إعادة إنتاج الوسائل التي أدارته لمصلحة الطرف الأقوى. لم يعد بالإمكان فصل الأقوال عن الأفعال ولا صرف النظر عن الوقائع التي تدمر مقومات الدولة الفلسطينية.
إن حديث أوباما عن خطوة كبيرة للأمام وحديث الاتحاد الأوروبي عن خطوة صغيرة للأمام، ربما يقود إلى حث القيادة الفلسطينية للذهاب إلى طاولة المفاوضات من أجل البناء فوق الخطوة الكبيرة أو الصغيرة. هذا الموقف الذي بدأ يطل علينا يعيدنا إلى المربع الأول الذي خضنا فيه طويلاً ودفعنا ثمنه الشيء الكثير. وسنعود مرة أخرى لاكتشاف ميتشل الذي يقول إن التفاوض الثنائي لا يصل إلى حل دون تدخل جدي من الخارج. العودة مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات دون وقف شامل للاستيطان سيعني انتصاراً لنتنياهو وسياسته المتطرفة. وسيفضي إلى مزيد من الالتفاف الإسرائيلي حول قيادته، حيث تشير مصادر المعلومات إلى احتمال انشقاق كاديما ودخول جزء منها إلى حكومة نتنياهو.
السؤال، هل تراجع أوباما بهذه السرعة أمام نتنياهو دون ضغوط ذات شأن؟ الإجابة عن هذا السؤال هي رهن الموقف العربي والفلسطيني. فإذا شعرت إدارة أوباما أن عودتها لإدارة الصراع لا تكلفها شيئاً. فلماذا لا تعود وتوفر عليها تشويش العلاقة الإستراتيجية مع إسرائيل؟. وهذا يطرح السؤال القديم الجديد حول قدرة النظام العربي على طرح قضية المصالح المتبادلة على بساط البحث. بمعنى محاولة الدول العربية وضع ثمن سياسي لتريليونات الدولارات العربية التي تفيض بها الأسواق المالية الأميركية والأوروبية. ووضع ثمن للسياسة النفطية التي تتواءم مع احتياجات السوق، ووضع ثمن لعلاقات التطبيع مع إسرائيل، ووضع ثمن للقواعد الأميركية المنتشرة في طول وعرض العالم العربي. دون المطالبة بثمن سياسي لكل هذه المكارم النوعية، دون ضغط على المصالح الغربية، لن تضطر إدارة أوباما أو أية إدارة أخرى لوضع القضية على محمل الجد.
إزاء هذا الوضع ثمة خشية من العودة مرة أخرى إلى الخيارات النمطية السلبية. استئناف المفاوضات دون وقف للاستيطان (القبول السلبي). وخيار (الرفض السلبي) على قاعدة المواقف الأميركية والإسرائيلية. ألا يوجد منطقة وسطى بين القبول السلبي والرفض السلبي؟. هذا هو التحدي الحقيقي الذي نصطدم به ويحثنا على البحث عن سياسة غير نمطية ولا عاقر.
عن الايام الفلسطينية

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *