خالد تاج سلامة
* الذكريات معين لا ينضب، عودة الى الماضي بفرح وترح.. والبحث في اعماق الذات احداث يستعيدها صاحبها من زوايا عديدة.. للتحدث عنها بقدر ما تستطيع ذاكرته ان تتحدث.. ولان ماضي اي منا قد رحل وبقيت احداثه.. ومواقفه.. ومواقعه.. ومراتعه كاطلال في عين صاحبها يقف امامها الساعات.. وكأنها ثوان معدودات.. لا يشعر بها ويفيق ويبحث عن جديد.. وجديد ليحل محل القديم الذي رحل.. رحل مع الماضي فليس غريباً ان يرحل اصدقاء، ويرحل احباب ولكن الشيء الجميل ان تبقى ذكراهم عالماً جميلاً فاضلاً.. زهورها معان وعبر وعظات.. ورياحين امل وعطاء.. وشلال يتدفق باستمرار يسير لجهة معلومة ووقت معلوم.. وعلى وقع الذكريات تكبر الامال في النفوس وتنشر البشرى في سماء عبقها ازاهير نضرة حلوة.. حلاوة الحدث.. وتعد فترة الدراسة من اجمل الايام التي يتذكرها اي منا فايام التلمذة شواهد افكار وطموحات تتوقد في الذاكرة.
ولئن اضحت هناك مشقة عن ملاقاة زملاء الدراسة ان الحارة فان الفؤاد شوقاً لايام حفلت بمرح وصفاء ذهني لم يعكره سعي لاهث وراء مادة زائلة.
* كم تمنيت ان تطول تلك الرحلة.. ولم اتأثر بالسنين او ببعض خيوط الشيب المنثور على رأسي الامر الذي جعلني اخضبه بالسواد حتى لا يقال انني تعديت مراحلي.
* فقد كنا فتية داخل مدرسة الفلاح لانعي الهم والتفكير.. ولم نكن نخبئ مكراً.. ولم ندرك لمعاني العقوق، ومخاصمة الافكار وكانت طفولتنا في الحارة ذات ألفة ومنحبة، ولم يقل لي احدهم دربك غير دربي، او شأنك في التعامل غير شأني.
* ومن الذكريات المرتبطة بتلك الايام والتي كنا نعايش بعضاً منها والآخر كما نسمعه في مجالس من هم اكبر سناً وحكمة.
ان الروابط الشعبية في جدة القديمة وضواحيها كانت محصورة بسورها القديم.. وكانت هذه الضواحي.. الرويس الادنى، والرويس الاعلى وبني مالك والكندرة والنزلة اليمنية والثعالبة والقريات صلة بجدة وسكانها فكانت هناك ارتباطات من حيث التعامل ونوعياته.
* ولكن حارة من حارات جدة القديمة كحارة الشام.. المظلوم.. اليمن والبحر.. افضال كثيرة يبذل فيها الفرد من العون ما يستطيع بذله لاخيه.. وذلك ابتغاء نشر الفضيلة والخلق الرفيع بجانب ما يقدمه من خدمات قد يعجز اصحابها عن قضائها!
* وكان ابناء الحارة يمتازون بالنخوة وبالمروءة وبالوفاء، وبالغيرة على الجار والحرص على مصالحه ومنافعه وسمعته كأنه قريب فكانوا يسارعون لنجدة القريب والبعيد منهم.
ولاشك ان مفهوم تقاليد وعادات زمان غير مفهوم هذا العصر بحكم التطور والتوسع فبرغم ونجود وسائل المواصلات لا نجد من يحضر اليك إلا نادراً، ومن تلطف وتذكر امسك بالهاتف وسأل عنك او بعث بكرت بوستال او بطاقة ونادرا ما ترى صديقاً او قريباً الا في فرع او ترح.. وتلك حقيقة يدمي لها الفؤاد؟
* حدثني المرحوم الاستاذ محمد حسن عواد رحمه الله.. إنه كانت بيوت جدة القديمة عادات جميلة سيما ايام الاعياد، كان جدودنا واباؤنا يرحمهم الله يأخذون معهم كيساً من قماش (الدوت) لوضع ما أخذوه من حبات الهيل او حبات الحلاوة اللوزية، وعند عودتهم الى منازلهم يحصون ما بداخل الكيس وعلى عددها يكونون قد زاروا وعيدوا على البيوت والاهالي.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *