أوباما والتغيير ومجلس الأمن الاقتصادي

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue] د‏.‏ ليلي تكلا[/COLOR][/ALIGN]

حسب استطلاع لرأي الشعب الأمريكي حول أولوية التغيير‏..‏ حصل الإصلاح الاقتصادي علي‏62%،‏ والعراق علي‏10%،‏ والإرهاب‏9%،‏ والرعاية الصحية‏9%،‏ ويرتبط الإصلاح الاقتصادي بكل ما هو مطلوب من تغيير‏،‏ لكنه أيضا أكثرها تعقيدا‏،‏ ويتطلب وقتا طويلا قد يستغرق مدة رئاسة كاملة‏.‏
لقد ورث أوباما وضعا اقتصاديا صعبا‏،‏ إذ تمر الولايات المتحدة‏،‏ ومعها العالم بأسره‏،‏ بأسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير‏،‏ هذه الأزمة الطاحنة التي تعانيها الولايات المتحدة ليست الأولي في تاريخها‏،‏ فمازال التاريخ الأمريكي يذكر السقوط المدوي لوول ستريت سنة‏1929‏ الذي بلغ مداه في‏29‏ أكتوبر بما يسمي الثلاثاء الأسود‏.‏
ارتفعت البطالة من‏4%‏ إلي‏25%،‏ وهبطت الأسعار وضربت الزراعة والصناعة وسائر جوانب الحياة‏.‏ قدم الرئيس الأمريكي عندئذ فرانكلين روزفلت البرنامج المشهور باسم العهد الجديد أو الاتفاق الجديد‏،‏ كان مكونا من حزمة من الإجراءات بعضها قريب الشبه ببرنامج أوباما‏،‏ يقوم أغلبها على أن حل المشكلة يتطلب تدخلا أكبر وأوسع لدور الحكومة في تنظيم الاقتصاد‏.‏ تجاوزت الأزمة لكنها لم تستوعب الدرس وعادوا للرأسمالية المتوحشة‏،‏ وأطلق ريجان مبدأ أن الحكومة ليست الحل إنها المشكلة‏،‏ إلي أن جاء الانهيار الكبير الاثنين الأسود لتأكيد أن الحكومة ليست المشكلة إنما هي الحل‏.‏
لقد كان الاقتصاد عاملا رئيسيا في فوز أوباما‏،‏ وتعددت تصريحاته في هذا المجال‏،‏ بل كتب مقالا في صحيفة وول ستريت جورنال يبين سياساته التي تقوم على إصلاح الهيكل الرقابي الحكومي للخدمات المالية‏،‏ وتشديد شروط السيولة ورأس المال‏،‏ وإصلاح قوانين الإفلاس وبطاقات الائتمان‏.‏
وبالنسبة للضرائب صرح بأن السياسة الضريبية لمنافسه الجمهوري تفيد الشركات الكبرى‏،‏ في حين أنه يسعى لتحقيق امتيازات ضريبية للطبقة المتوسطة‏،‏ وينوي التراجع عن بعض التخفيضات الضريبية للأثرياء التي طبقها بوش‏،‏ كما تعهد بخفض ضريبي لـ‏95%‏ من الأمريكيين تقل دخولهم عن‏250‏ ألف دولار سنويا‏،‏ وتعهد بإطلاق مشروعات كبيرة في مجالي الطاقة النظيفة‏،‏ والبنية التحتية‏،‏ للحد من البطالة‏،‏ ومراجعة اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية‏،‏ واستخدام الاتفاقيات الدولية لتشغيل العمالة‏،‏ كما أنه يعتبر الاعتماد على النفط المستورد خطأ أمنيا‏.‏ واضح من كل تصريحاته وسياساته أنه بينما كان بوش يهدف لحماية أصحاب الأموال وتطبيق ما يسمي البراشوت الذهبي‏،‏ وهو تعبير يعني الخروج من المأزق الذي تسببوا فيه بمكاسب‏،‏ فإن أوباما يسعى لحماية المواطن العادي والطبقة المتوسطة وذوي الاحتياجات‏.‏
وفور توليه طرح أوباما حزمة ثانية من تدابير التحفيز الاقتصادي لانتشال الاقتصاد من كبوته‏،‏ وتشمل تمويل مشروعات للبنية الأساسية وصرف دفعة ثانية من شيكات التخفيضات الضريبية‏،‏ ويعتبر الاختلاف الجوهري بين فلسفة الحزبين أكبر تحد لأوباما وحكومته لتنفيذ الإصلاح الذي لابد منه‏،‏ الذي يعتبره الجمهوريون تحولا اشتراكيا مرفوضا‏،‏ والغريب أنهم يلومونه لعدم نجاح الإجراء الأول الذي اتخذه بوش‏،‏ وإهدار‏80‏ مليارا منه برغم أنهم المسئولون عنه‏!!‏
إن مسئولية الرئيس الأمريكي في معالجة التدهور الاقتصادي ليست مقصورة على بلده أو على حلول مؤقتة‏،‏ إنها تدعوه‏،‏ بل تفرض عليه‏،‏ أن يصلح ما جاء به سلفه من مصائب‏،‏ لمواجهة الكساد دوليا‏،‏ وذلك بتصحيح النظام المالي الدولي السائد‏.‏ ‏بذلك نصل إلى اقتراح إنشاء مجلس الأمن الاقتصادي الذي سبق أن كتبنا عنه مرات ثلاث ودعونا إليه‏،‏ والاقتراح ليس من عندي‏،‏ بل هو إحدى مبادرات العالم الاجتماعي الاقتصادي السياسي الباكستاني الكبير محبوب الحق‏،‏ رائد الدعوة للاهتمام بالتنمية البشرية‏،‏ في كتابه القيم تأملات في التنمية البشرية يشرح لماذا الدعوة لمجلس للأمن الاقتصادي‏،‏ مبينا اختصاصاته وتنظيماته‏،‏ كما يبين أن مجرد تطوير المجلس الاقتصادي الاجتماعي الإيكوسوك الحالي لن يفي بالغرض‏.‏ يبين الكتاب أن إدارة الاقتصاد الكوني مسؤولية عالمية ولا يجوز أن تترك لدولة ذاتها‏.‏ وهي مسئولية موزعة بين عدد كبير من المؤسسات‏،‏ يستعرض الأجهزة الموكول إليها هذه المسؤولية‏،‏ مبينا أنها لم تحقق أهدافها بسبب التعدد وعدم الكفاءة المطلوبة‏،‏ وتسلط الدول الثرية على صنع القرار‏،‏ كما يوضح أن المشكلات التي يواجهها العالم أصبحت حجما ونوعا مترابطة تشكل خطرا كونيا ودوليا‏،‏ تقتضي مواجهة تقوم على التضامن والتعاون الدولي‏،‏ ولا تظل في يد الصفوة الأثرياء‏،‏ لأن الوصاية التي فرضتها الدول القوية علي العالم منعت مشاركة أغلب الحكومات والشعوب‏.‏يتضمن المجلس جهازا للإنذار المبكر يقوم على مبدأ مراقبة توفير الأمن الاقتصادي والإنساني الذي تجاهله يهدد الأمن القومي‏،‏ والواقع أن الحروب ليست الخطر الوحيد الذي يصيب البشرية‏،‏ والتركيز علي الأمن القومي وحده خلال مجلس الأمن يتجاهل منابع تهدد بكوارث أخري‏،‏ وتهز الأمن القومي في الوقت نفسه‏،‏ كلها تدعونا بإلحاح لإنشاء مجلس الأمن الاقتصادي الذي يرعى ويدعم التنمية البشرية والاقتصادية‏.‏
إن كتاب محبوب الحق جدير بدراسة كل القائمين على مواجهة الأزمة الاقتصادية الراهنة‏،‏ والدكتور يوسف غالي‏(‏ عافاه الله‏)‏ الذي يسعى لتحقيق الهدف الصعب بالتوفيق بين الاعتبارات الاقتصادية والبشرية في التنمية في منصب يهيئ له فرصة طرح هذه المبادرة مع تطويرها بما يناسب الظروف الراهنة‏.‏
الأهرام المصرية

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *