في بعض الأحيان يشعر الإنسان إنه بحاجة ماسة للإختلاء بنفسه “خلوة شرعية” لا يُعاقب عليها ولا يُلام ، خلوة يبتعد فيها عن البشر والمشاغل و كل مُنغصات الحياة بجميع أنواعها ، فيهرب إلى ذاته باحثاً عن مُتسع من الهدوء و الراحة.
و اعترف بكل شفافية إني أحب نفسي حُباً جمّاً و ما أكثر ما أختليت بريهام وقطعت جميع السُبل المؤدية إليها بعيداً عن الناس و (وجع الراس). وبصراحة أنا أشفق كثيراً على من لا يخصص أو يجد وقتاً لنفسه ليُدللها أو ليحاسبها بل و يجلدها إن تطلب الأمر إلى ذلك ليعيد حساباته ويرفع من معنوياته ويجدد طاقاته.
وبمناسبة هذا الحديث عن ذاك الفعل المبارك تجاذبت أطراف الكلام عن أهمية العزلة في بعض الأحيان مع مجموعة من صديقاتي وحينها لامتني أحداهن على غيابي غير المبرر في بعض الأوقات ، وبالمناسبة صديقتي تلك (هبله) بمعنى أنها تُفكر بالشيء وتقرر الإقدام عليه ثم تتراجع ، وتعود لتُصدع رؤوسنا بأنها مُتعبة و مُرهقة و في حاجة مُلحة لإجازة وأخذ قسط من الراحة !
فلعبت معها دور الناضجة و الحكيمة و نصحتها بأن (تتقوقع) على نفسها و تبتعد عن كل شيء لمدة (يوم كامل) على الأقل ، لا تُواصل و لا تتواصل ، لا تُكلم و لا تُجيب ، لا تَعزم و لا تؤدي واجباً ، وطمأنتها أن هذه حالة طبيعية يحتاج لها كل إنسان سوي وعاقل حتى وإن نعتها البعض (بالنفسية) ! فشكرتني ووعدتني أن تخوض تلك التجربة غداً ، وبالفعل أتصلت بي في صباح اليوم التالي باكراً وكأنها مريضة تريد أخذ (استشارة نفسية) وقالت لي سوف أبدأ الآن ، سأختلي بنفسي بعد أن أغلق الخط بيني وبينك ، فقلت لها لا داعي لأن تخبريني بذلك و أغلقت الإتصال بيننا مباشرةً من دون حتى أن أودعها وتركتها تواجه نفسها “المُترددة” وبالفعل أختلت بنفسها أختنا في الله وصمدت ولله الحمد بعد محاضرتي الطويلة لمدة قصيرة وهي نصف ساعة فقط !
فأيقنت بعدها أن قليلين مّنا يجيدون تلك الممارسة المحمودة بالإنفراد بالنفس أو الرغبة في التأمل والشرود والإبتعاد الوقتي عن الدنيا و من عليها إن أمكن ، ربما لعدم الشعور بالراحة في الوحدة أو لأن التكنولوجيا قد اخترقت مساحات كانت في الماضي ملجأً لنا نمارس فيه خصوصياتنا بعيداً عن كل تقنية تغلغلت في حياتنا.
و الحمد لله إني قادرة على أن (أتفرغ لي) و أمارس هوايتي في الإنعزال كلما أحتجت إلى ذلك ، فأنا أُتقن جيداً فن الإنصات لذاتي و سماعها، بل أنني أواعدها أحيان وأنا بكامل أناقتي و (أعزمني) على العشاء لوحدي ، وقد (أهديني) هدية وأُسعد وأفاجئ بها عندما أقدمها لنفسي عندما اختلي بها ، فأنا لا أجيد ترتيب حساباتي وتصنيف علاقاتي وترتيب أولوياتي واهتماماتي إلا عندما أكون وحدي ولا يشغلني عني (سواي). ولا يهمني إن أتهمني البعض بالجنون أو لم يتجاهل كمية (الأنا) الموجودة في هذا المقال ، فأنا (أحبني) فانشغلوا بأنفسكم عني و أحذو حذوي بارك الله فيكم وجمعكم بأنفسكم على خير.

rzamka@
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *