[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد بشير علي كردي[/COLOR][/ALIGN]

شاعرنا الدكتور محمود صبح، وهو يرشف فنجان قهوته بعد أن قضينا على صينية البائييا التي أعدتها حرم مضيفنا الفالنسانية لم يكن في وضع نفسي يسمح له بأن يقرأ لنا بعضا من قصائد ابن ماجه في العشق والهيام.
عذره أنه في شهر مايو، شهر النكبة، شهر التشرد، وهو لا يستطيع أن يمنع خياله من استحضار صورة ذلك اليوم الأسود الذي وقعت فيه مدينته صفد تحت الأسر الصهيوني ودفع بسكانها العرب لمغادرة بيوتهم و مزارعهم ناجين بأنفسهم من القتل والسحل والتنكيل. ويومها كان لدى المغادرين أمل بالعودة القريبة لديارهم لما قيل لهم بأن الجيوش العربية قادرة على كسب المعركة، وفات على العقلاء منهم أن القيادة الفعلية للجيوش هي للجنرال كيث دايتون المعروف باسم غلوب باشا أو أبو حنيك نيابة عن الشريف عبد الله بن الحسين قائد القوات العربية ، وأبو حنيك بريطاني من رعايا الدولة التي أعطى وزير خارجيتها بلفور وعدا لليهود بأن تكون فلسطين لهم.
ويقدر والد رشا أن خيال شاعرنا في هذه الساعة قد أخذه إلى الشاحنات وهي تنقله مع الناجين من غارات العصابات الصهيونية من أهالي مدينته صفد باتجاه سوريا ولبنان، وقد كانت دمشق هي المدينة التي استضافت شاعرنا وأسرته، وفيها عايش فترة غضب الشارع العربي من هزيمة حرب 1948، وعاش ما تلاها في سوريا من انقلابات عسكرية كانت جميعها تعلن أنها لم تقم بحركتها التصحيحية إلا لتحرير فلسطين، مقتطعة النصيب الأكبر من ميزانية الدولة، وعلى طول السنوات التي تلت الهزائم، لتسليح الجيش وتهيئته لدخول المعركة الفاصلة، وتحمل الشعب السوري هذا العبء المالي برضا وقناعة بالرغم من أنه أتى على حوالي نصف الميزانية السنوية في العديد من السنوات وعلى حساب تنمية البلد ورفاهيته.
غير أن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، فكانت الهزائم في الحروب التي تلت عام النكبة وضاعت حلاوة النصر في حرب 1973 وما تلاها من حوار الطرشان تحت مسمى السلام أو الاستسلام وعلى كافة الأصعدة الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية، في وقت يواصل الصهاينة فيه زرع مستعمراتهم فوق التراب الفلسطيني في الضفة الغربية وفوق التراب السوري في الجولان بزعم أن هذه الأرض قد منحها الرب لشعب بني إسرائيل قبل ثلاثة آلاف سنة، وأنهم هم وليس غيرهم الورثة الشرعيون لشعب بني إسرائيل.
مضيفنا، ومن معنا في تلك الأمسية، قدروا ظرف شاعرنا النفسي، وتساءل الجار فرناندو عما إذا كانت القضية الفلسطينية قد دخلت النفق المسدود وعما بوسع المنصفين من أنصار الحرية في العالم أن يقدموه لنصرة الشعب الفلسطيني بعد أن أصبح واضحا للقاصي وللداني أن الصهاينة لن يمكنوا الفلسطينيين من إقامة دولة لهم ولو دولة شعار وعلم، وبالتالي لن ينسحبوا من الأراضي التي احتلوها في حرب 67.
وجاءت مداخلة الجار يعقوب – وهو اليهودي غير المتصهين – بأن الخروج من النفق المظلم قد يكون بالخيار الأردني. وتساءلت والدة رشا عما يقصده بالخيار الأردني فقال بأنه الذي تريده إسرائيل بشأن الأراضي المحتلة في يونيو 1967 وتفضي إلى إعادة رفع العلم الأردني فوق الكنائس والمساجد والمباني الرسمية مع إشراف من نوع ما على إدارة أمور سكان الضفة من غير اليهود.
رشا، وقد كانت الأكثر حماسة لسماع صوت الشاعر وهو يلقي قصائد ابن ماجه أو قصائد من نظمه اكتفت بسماع بيت واحد من ملحمة الزمن الرديء التي نظمها شاعرنا قبل سنين عديدة يقول فيه :
ولقد رأيت آدم في المنام يقول لي إن همو أبنائي فحواء طالق.
معبرا في ذلك عن فقد الثقة بمن يفاوض من أجل سلام لن يرى النور في ضوء الظروف الراهنة حيث التشتت والتشرذم والتفرقة والهوان.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *