[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد بشير علي كردي[/COLOR][/ALIGN]

توقفت رشا ووالديها عندي في البيت وهم عائدون من حفل ثقافي موسيقي لبعثة ثقافية عربية تحتفل بمناسبة قومية أقيم على مسرح معهد ثقافي أسباني وبالتعاون مع تجمع لناشطين أسبان في مجال التعاون مع العالم العربي.
تقول رشا إن الحفل كان في غاية الجمال،وإن الحضور كانوا في غاية الأناقة مظهرا،وعلى درجة راقية إصغاء وتذوقا لما ألقي من نثر وشعر، وما عزف على العود من قطع موسيقية عربية تراثية مصحوبة بشدو أغان عربية متنوعة بلهجات العديد من شعوب المشرق العربي.
وتضيف رشا القول بأنها حاولت قدر المستطاع أن تفهم ما قيل نثرا وشعرا وغناء فلم يسعف دماغها الوقت ليترجم لها من العربية إلى الأسبانية ما يلقى من كلمات فاكتفت بما تلم به من اللغة العربية وهو قليل، وبما لاحظته على وجوه من بالقرب منها من الحضور العرب من تعبير، فلعضلات الوجه لغة لا يصعب على المدقق فيها فهم ما تعنيه، وعليه تستطيع أن تقول بأن النثر الذي ألقي في بداية الحفل كان قصة حوار بين شخصين يتحسر أحدهما على تراث مدينته وقد قضى عليه طغيان تحديث المدن، ويرى الآخر في أعمال التحديث وسيلة للكسب المشروع وللكسب غير المشروع على مرأى و مسمع من بيدهم الأمر وتحت غطاء التطوير ومحاكاة الغرب بناطحات السحاب والأرض حول البناء الذي يناطح السماء خلاء. أما الشعر الذي أعقب النثر فقد كان في الغزل، حب وعشق وغرام يتحمله العاشق رغم الهجر والجفاء،فقد لاحظت رشا أن لغة عضلات وجه من بحولها جاءت مصحوبة بالآهات من حناجر شابة. أما العود والعواد فحدث ولا حرج،فقد نقلها العازف إلى عالم ألف ليلة وليلة فتخيلت شهريار يستمع إلى شهرزاد التي لا يسكتها عن الكلام المباح إلا طلوع الصباح، والأغاني التي صاحبت العزف كانت تراثية لما لاحظته من محاكاة المتقدمين في العمر من العرب الحضور للعازف المؤدي، وشبابية لمشاركة الشباب.
غير أن لرشا ملاحظة و تساؤل، فالدعوة كانت لسماع نثر وشعر وعزف وغناء، والداعي للحفل وهو يرحب بالحضور تحدث عن القضية والتصميم على مواصلة الكفاح حتى تحرير كل شبر احتل في حرب 1967، والمتحدث الرسمي الذي اختتم الحفل ليشكر كل من ساعد على إقامته تطرق أيضا إلى الحديث عن القضية وإلى أن بلاده قادرة على استرجاع ما فقدته بالحرب، إلا أنها جنحت للسلم لتعطي الشرعية الدولية فرصة إثبات وجودها،والتساؤل هو كيف يخلط العرب بين أمرين متباينين في آن واحد؟ طرب وأدب وحديث في السياسة والتحرير.
ردت عليها والدتها بأن العرب من أقدم الشعوب وأغناها في فنون الكلمة وجوانب استخداماتها، فهم أهل لسان، والمعلقات التي كانت ترفع حول الكعبة المشرفة في مكة المكرمة قبل ظهور الإسلام خير شاهد على ما أقول، فهي – أي المعلقات – كانت في معظمها تبدأ في الغزل وتنتقل منه إلى المعارك التي خاضها قوم ناظم المعلقة لتنتهي بالوعد والوعيد، وهم أيضا أهل الصبر والتحمل، لا يكلون ولا يملون في إعطاء الفرص للطرف الآخر حتى يثوب إلى رشده، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
في مداخلة والدها أن العرب وقد ظهر من بينهم العديد من الرسل والأنبياء هم الأقدر من غيرهم على الجمع بين الدين والدنيا، بين متع الحياة وتعاليم السماء، بين أن يعمل المرء كما لو كان سيعيش أبدا وبين أن يعمل لآخرته كما لو كان سيموت غدا، وبهذا كان لدى الحضور من العرب القدرة على التمتع بما قدم إليهم من نثر وشعر وموسيقى وغناء وبين الحديث عن القضية المصيرية وعزم أمتهم على تحرير أرضهم.
وغادرت رشا برفقة والديها وهي تسأل عما إذا كان في نية المملكة مواصلة تقديم أنشطتها الثقافية في أسبانيا فالكثير من أصدقائها ومعارفها لا يزالون يذكرون العروض التي قدمتها فرقة سعودية في ساحة بلازا مايور بمدريد قبل سنوات.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *