أحيانًا يجب الصمت ويحرم الكلام

Avatar

[COLOR=blue]عبد الله بن خالد شمس الدين[/COLOR]

الكلام فن، وكل فن له أصول وضوابط كي يوصل المتكلم المعلومة التي يريد أن يوصلها على الوجه الذي ينبغي، ويختار الكلمات والعبارات المناسبة حسب الحال، فإن اقتضى الموقف الشدة استخدم الشدة، وإن اقتضى اللين غلب جانب اللين، وهذا مأخوذ من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) متفق عليه. قال الإمام النووي: ينبغي لمن أراد أن ينطق أن يتدبّر ما يقول قبل أن ينطق، فإن ظهرت فيه مصلحة تكلّم وإلّا أمسك. انتهى من فتح الباري(311/11). وقال عمر بن عبدالعزيز-رحمه الله-: \”من عد كلامه من عمله قل كلامه\” الصمت لابن أبي الدنيا.
قسم العلامة ابن القيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى أربعة أقسام، قسمان يجب فيهما إنكار المنكر، وهما: اذا يزال المنكر بالكلية، أو يخفف. والقسم الثالث اجتهادي، وهو: أن يزال المنكر ويأتي منكر مثله. والقسم الرابع يحرم فيه الكلام وإنكار المنكر، وهو: اذا يزال المنكر ويبدله منكر أشد مما كان. وهذا لا يعلمه الواحد منا إلا بقرائن وغلبة الظن. ولهذا كان شيخ الاسلام ابن تيمية وصاحبه يمران على من يشربون الخمر، وصاحبه اعترض عليه بأنه لم ينههم، فقال شيخ الاسلام: لو نهيناهم لأتينا بمنكر أعظم، لكانوا يذهبون إلى بيوت المسلمين فينهبونها وينتهكون أعراضهم. اهـ.
فالواجب مراعاة الحكمة بحسب المكان والزمان والمصلحة والمفسدة. والحكمة كما عرفها العلامة ابن القيم: فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي. اهـ. وقال العلامة ابن عثيمين في شرحه على رسالة الحسبة لابن تيمية: ممكن أن يؤخر إنكار المنكر عن وقت وقوعه لمصلحة ما عدا منكر الشكر، فإنه ينكر فورًا. اهـ. وقال ابن تيمية في الفرقان: في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» فالتكلم بالخير خير من السكوت عنه، والصمت عن الشر خير من التكلم به، فأما الصمت الدائم فبدعة منهي عنها. اهـ.
قال الله تعالى: (فذكر إن نفعت الذكرى). قال العلامة السعدي: ومفهوم الآية أنه إن لم تنفع الذكرى، بأن كان التذكير يزيد في الشر، أو ينقص من الخير، لم تكن الذكرى مأمورًا بها، بل منهيًا عنها، فالذكرى ينقسم الناس فيها قسمين: منتفعون وغير منتفعين. اهـ. وهذا لا يفقهه كثير ممن يزعم أنه يفقه الواقع، فيجب العلم قبل العمل والدعوة، وكما قال العلامة ابن عثيمين: \”العواطف إن لم تضبط بالشرع أصبحت عواصف\”، والله المستعان. وما يهمنا في هذه الأيام خصوصًا بعد وقوع ما يسمى \”الربيع العربي\” تنبيه المسلم تجاه ولي أمره إن صدر منه منكر. قال العلامة صالح الفوزان في \”المنحة الربانية في شرح الأربعين النووية\” ص116-117: ومن النصيحة لولاة الأمر مناصحتهم عن بعض الأخطاء، ولكن لا يكون هذا في المجالس أو على المنابر، إنما هذا يكون بين الناصح وبين ولي الأمر، إما مشافهة، وإما كتابة، وإما بأن يوصي من يتصل به وينبهه على ذلك. فليس من النصيحة لولاة الأمور الكلام فيهم في المجالس، أو في غير ذلك، لأن هذا من الخيانة لولاة الأمور، وإن كان عندهم تقصير… فإن عجزت عن إبلاغهم مباشرة أو بالواسطة فإن الواجب أن تسكت لأنك معذور. وقال: أما من يتكلم في شأن ولاة الأمور عند الناس، وعند الأعداء، ليس هذا من إنكار المنكر كما يقول بعضهم، هذا هو المنكر نفسه. اهـ.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *