أحياناً في البلدان ذات الفرص المتكافئة .. حينما ينعزل الشاب المتفوق في غرفته إنما ينعزل ليحلم ، وحينما يتأمل وجهه في المرآة فذلك لأنه يحلم ، وإذا أطال الجلوس بالقرب من النافذة فهو لا يراقب الناس أو النجوم أو الضجيج ..إنما ليحلم ،

وكأن ذهنه ساعتها في مهمة رسمية داخل مخيلته الخصبة ، مهمة فيها سبر لسبل تحويل الحلم إلي بساتين من النخيل المثمرة ، ذلك الشاب شبه متيقن أن كفاءته وقدراته ومهاراته وذكاءه أدواته الأساسية في رحلته نحو مستقبله ، لذلك يحلم ويتلذذ بالحلم قبل أن ينطلق ، بينما الشاب هنا كلما لاحت في مخيلته الأحلام استعاذ بالله من شرها ،

فالحلم بالنسبة له ليست سوى سعادة زائفة .. جهد ذهني ضائع .. وقت مهدر ، والسبب الواقع الوظيفي الذي لم يعد صهوة جامحة للمتفوقين ، وأجنحة محلقة للمثابرين ، بل محاولة بائسة لطمر جذور وردة نحيلة في أرض صخرية جافة وقاسية أجود ما تجود به العطش ، وحتى وإن كانت خصبة .. فلن تكون في منأى عن جزازة الفساد القاصمة لكل حلم .

كيف يمكن لشاب أن يرسم ملامح تطلعاته وهو يعلم أنه كمن يبتلع الهواء في جوفه ! الجرعة تلو الجرعة ظناً منه أن ذلك سيرفعه لبلوغ النجوم والقمر ؟ كيف له أن يحلم وليس له أجنحة الواسطة ؟ كيف يحلم في مجتمع المعارف وذوي القربى وهو يعرف أنه وحيد لا يعرف أحداً ولا يعرفه أحد ؟

في إحدى الحصص الاحتياطية سألت طلابي في الثالث ثانوي السؤال المعتاد والذي يراه الكثيرون من الشباب اليوم سؤالاً سخيفاً ؛ (ما هي أحلامكم التي تودون تحقيقها ؟ ) ، فقالوا جميعاً وبصوت واحد ؛ حلمنا يا أستاذ (تطلعنا الساحة نلعب كورة ؟ ) ، وقتها ضحكت بحرارة شديدة وبكل عفوية حتى دمعت عيني ، ومع ذلك كررت السؤال فقال أحدهم (حلمي الوحيد أن يكون لي واسطة فقط !! وبقية الأمور سوف تأتي بعدها تباعاً) ، فقلت بابتسامة متثاقلة (أتدرون ؟ لنؤجل الأحلام الآن ولننطلق إلي الساحة) .

مشكلة الواسطة أن تأثيراتها ليست آنية ، إنما تتراكم على المدى البعيد ، يكفي تأمل ذلك التأثير الذي يتربص بالوطن حينما تصبح كل أماكن الأذكياء فيه مشغولة بالأغبياء ،

وكل كراسي الجادين فيه محجوزة للهزليين ، وكل شيء له صلة بهمومه التنموية والحضارية معقود بنواصي الحمقى ، تخيلوا ذلك ملياً لتدركوا كيف أننا بتقديمنا لذوي القربى وأبناء العمومة والأصدقاء على حساب الكفاءات إنما نزيد من عمق فجوة التخلف التي تفصلنا عن العالم ، لذا إن لم يكن في رؤية ٢٠٣٠ ما يبعد عن صدر الشباب هذا الجاثوم فلا أظن بأننا سنتمكن من تخطي هذه العتبة إلي الأبد.

@ad_alshihri
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *