أحداث القطيف وحديث العقل

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]خالد عوض العمري[/COLOR][/ALIGN]

لا يمكن أن نقيس مدى مدنية المجتمعات وتماهي جزئياتها المختلفة في وحدة الوطن الكليّة عن طريق الشعارات الكلامية ولا عن طريق الاحتفالات الوطنية العابرة,فكل هذه المظاهر تعبر عن الناس في حالات الرضا والاستقرار, بينما يجب أن يكون المقياس المنصف لمدنية المجتمع وتماهي جزئياته المختلفة داخل الإطار الوحدوي مستمداً من ردة فعل هذا المجتمع وأهله عند حدوث الأزمات والأحداث التي يختلف الناس حولها مشّكلين حالاتٍ من الاستقطاب الحاد والفرز التفاصلي بين الأفراد نتيجةً لموقفهم من هذه الأحداث واصطفافهم على طرفي النقيض منها.والسبب الذي يجعل المجتمعات المدنية المتقدمة متحدةً عند حدوث الأزمات هو الاتفاق الضمني على أنّ المصالح العليا للوطن يجب أن تكون هي الهدف النهائي لكل ردات الفعل, مع توفر اليقين لكل فردٍ أنّ نصيبه من هذه المصالح العليا للوطن سيناله كاملاً غير منقوص ولن يكون منّةً أو عطاءً مرتابا, ولذلك كان من الطبيعي في حال هذه المجتمعات المتقدمة أن تخرج من الأحداث وهي أكثر تماسكاً وأعظم تقديراً للتنوع والثراء وأشد تمسكاً بالمشتركات الكلية العليا لها.
وحين النظر فيما حدث من أعمال الشغب والإرهاب في القطيف وفي ردود الفعل تجاهها سيتبين لنا أنّ الغالبية من ردود الفعل لم تتعامل مع هذه الأحداث بالمنطق العقلي والوطني,بل حاول كل فريقٍ أن يستدعي أخطاء التاريخ وعثرات السابقين في سباقٍ اسقاطي معيب ومزايداتٍ وطنيةٍ فجةٍ ومرفوضة.فما حدث في القطيف كان حادثاً ارهابياً ومخالفاً للقانون وقد تعاملت معه السلطات الأمنية بشكلٍ جيد وأصدرت الداخلية بياناً متوازناً ومنصفاً,هذه هي الحكاية وكان يجب أن ينتهي الأمر عند هذا الحد, ولكن هذا السيناريو الطبيعي ليس هو ماحدث على أرض الواقع , فقد تواصلت ردات الفعل المتحيزة وذات النظر المصالحي الضيّق والمفرق وحاول كل طرفٍ جذب الحق إلى ناحيته عوضاً عن التجرد والعدل,فكان غالب الخطاب الشيعي فيما يتعلق بهذه الأحداث خطاباً يدور حول الاضطهاد!! وكان غالب الخطاب السني عند البعض فيما يتعلق بهذه الأحداث خطاباً مكارثياً يعمم في التهمة ويشكك هذه الطريقة غير المنصفة في تحليل هذه الأحداث ومحاولة فهمها واستخلاص النتائج منها, توضح أنّ هناك خللاً في الخطابين السني والشيعي,وهذا الخلل نتج عن الخلط بين المصالح الضيقة الخاصة وبين المصالح الوطنيّة الواسعة,ولذلك فقد أضحى لزاماً على عقلاء الفريقين أن يعيدوا كثيراً من حساباتهم وأن يتجردوا من كل مصالحهم الخاصة ومطالبهم الضيقة حينما يتعلق الأمر بوطننا جميعاً,فلا يمكن قبول بعض الخطابات المتشنجة التي تحاول التبرير والتمييع كما لا يمكن قبول الخطابات المتشنجة التي تحاول التعميم بالتهمة والتشكيك في الولاء,كل ذلك باطل وكل ذلك اثمٌ وظلم, ومن الواجب على الجميع أن يعلم أنّ هذا الوطن ملكٌ للجميع وأمانةٌ في أعناقهم ولا يجوز أن يكون ورقةً من أوراق الصراع بين التيارات أو الاتجاهات,هذا الوطن للجميع وفوق كل مصالح ضيقةٍ أو فئوية وسيبقى كذلك.
knfalamri

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *