أبناؤنا والفرار
هؤلاء الأبناء الذين نربيهم ونعتني بهم صغارا ..
إنهم يحاولون الهروب في أول فرصة ممكنة .. يهربون متى ما أتيحت لهم الفرصة الأولى للفرار والنفاذ بجلدهم ..إنهم يهربون من واقع لا يرغبون في العيش فيه ولا حتى التعامل معه. لقد ولدوا ووجدوا في هذا الكون في زمن آخر غير الزمن الذي ولدنا ووجدنا نحن فيه. لذلك فهم بحاجة للتعامل معهم بأسلوب هذا الزمان الجديد عليهم وعلينا أولا. إنهم يهربون من والد متسلط، أو أم متطلبة جدا. يهربون من ظلم السيطرة والتفرقة غير العادلة بين الأبناء. يهربون من أم لا تعي واجباتها ومسؤولياتها الحقيقية تجاههم.
يهربون من انشغال الأب الدائم عنهم في عمل وأسفار ورحلات مع الأصدقاء فقط. يهربون من عدم الاهتمام واللامبالاة التي يجدونها عند الوالدين معا. يهربون من واقع لا يمكن تغييره مهما حاولوا ذلك. الأبناء لا حول لهم ولا قوة فيما يحدث في المنزل بين الأبوين. يفتحون أعينهم ليواجهوا الصراعات المختلفة بين والديهم على مختلف المستويات. لا يعرفون لماذا تقع تلك الخلافات وذلك الصراخ والشجار بين الأبوين تحت أعينهم وأبصارهم دون مراعاة لمشاعرهم.
إما أن يكون الأبوان غير مدركين للخطأ الجسيم الذي يرتكبانه في حق الأبناء، وإما أن يكونا مدركين، ولكنهما يتغافلان ذلك في لحظات الغضب والكراهية.
تنشأ فراغات كثيرة هنا بين الأبناء والآباء، فراغات مثل الخنادق العميقة التي تطوق حياة هذه الأسرة. لا أحد يجرؤ على تخطي تلك الخنادق المليئة بالأسئلة الكثيرة المقلقة. لا أحد يفكر أن تلك الأسئلة الكثيرة يمكنها أن تغلق تلك الأخاديد وتلك الخنادق بمجرد الإجابة عنها. فالعيون غافلة عن تلك الحفر والفجوات التي تمتد يوما بعد يوم، وتزداد عمقا يوما بعد يوم.
نحن لا نتوقف لنفكر ما الذي يحدث لأبنائنا في هذه المرحلة أبدا ..؟؟
لأننا لا نعرف أن هناك خطبا ما، فقط هو الهروب من البيت، الانعزال عن الأسرة، اختيار الأصدقاء دون تفكير، السهر والتأخير عن العودة إلى البيت، وغيرها الكثير الكثير .. إذا فنحن المسؤولون عن هذا الهروب المتواصل لهؤلاء الأبناء. نحن الآباء، لنتوقف لحظة فقط، ولنتساءل : ما هي الأسباب ؟؟
فهذه الأسباب ربما لا تكون خللا في الأبناء، بل هي في طبيعة العلاقة بيننا وبينهم. هي في طبيعة العلاقة بيننا نحن كوالدين معا تحت سقف واحد.
هي في طريقتنا الخاطئة لتصويب الأوضاع وعرض الأمور في بيوتنا.
إذا لنعد إلى أنفسنا قبل كل شيء، ولنحاول البحث عن أسباب هروب أبنائنا من بيوتنا وحياتنا معا، حتى نتمكن من إعادتهم إلى أحضاننا قبل فوات الأوان..
التصنيف: