أبا عاصم.. وداعاً أيها الحبيب

طلال محمد نور عطار

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]طلال محمد نور عطار[/COLOR][/ALIGN]

تأثرت كثيراً بصدمة المفاجأة التي دخل فيها ابن عمي الغالي – ابا عاصم – الدكتور عمر حسين عطار الى المستشفى اذ هاتفني قبلها بيوم واحد بانه سيقيم مأدبة عشاء كبرى بمناسبة ترقيته الى استاذ (مشارك) بعد معاناة طويلة ينلها، وحضوره زواج ابني المهندس اياد الذي لم يبق – آنذاك – سوى بضع ايام.
شعرت في زيارتي الاولى له، وهو ملقى على السرير الابيض بحزن شديد، تذكرت في تلك اللحظة حالة عديلي (ابا ايمن) فؤاد حسين مداح – رحمه الله رحمة واسعة – الذي فقد الاحساس بمن حوله فسبقتني الدمعة بالدعاء: رحمتك يارب، هذا عبدك، فارحمه وعافه، وأجعله يعود الى سيرته الأولى. رأيت – ابا عاصم – وانا استرجع في تلك الليلة التي اطال الحديث معي عما يجيش في نفسه من خواطر ومواقف حول الحياة والجامعة والاسرة، فشعرت انه يحمل شؤونا وشجونا – لا تزال – تدغدغ مشاعره واحساسه لدرجة انه لا يرغب في انهاء المكالمة الهاتفية بسرعة، وانمنا طلب مني ان انتظر مكالمة من هاتفه الثابت، اشرت اليه دعك تكمل ما تريد في ليلة حفل زواج ابني اياد، فوافق على مضض.
وفي زيارتي الاخيرة الى المستشفى قبل ان يفقد التواصل بمن حوله باستخدام اصبع يده اليمنى يحركه لابداء ما يجيش في نفسه من مشاعر نحو الاخرين مع تساقط دموعه التقيت به – يرحمه الله – فكانت البشاشة والفرحة والسرور تظهر على محياه وكان يستوعب ما يدور حوله، ويعرف بسهولة من حوله من الاقارب والاصدقاء والزملاء حتى انه – يرحمه الله – التقط يدي اليمني يقبلها تقبيلاً يدل على ما تربطني به من صداقة حميمية، وصلة قربة وثيقة، فلم نفترق يوما عن بعضنا البعض عن شقاق. او بغضاء او عداوة وانما نفترق دائما على محبة ومودة وتقدير متبادل، فلشدة حماسه في اللقاء والالتقاء يظل يسرد ما يثير في نفسه من دهشة بعض طلابه في الجامعة، وزملائه في القسم، أو اسرته في المنزل فكان – يرحمه الله رحمة واسعة – يذكر بعض اللامبالاة من طلابه وطالباته بالمواد التي يقوم بتدريسها، فهناك من يرغب اكبر العلامات بدون جهد، وآخر لا يقدم ما يمكنه من تقييمه تقييماً يستحق به النجاح، واما الاناث فيكثر من التساؤلات والاستفسارات لدرجة لا يمكن من انهاء محاضرته المقررة في ذلك اليوم الا بصعوبة نادرة.
وكان معاناته من الترقية تنغص عليه حياته العلمية لانه كان يستغرب من هم اقل منه جداً واجتهاداً يحصلون – بكل سهولة ويسر – على ترقياتهم اولا بأول.
كما كانت معاناته مع شؤون الاسرة وشجونها تأخذ بعض الوقت في ضع النقاط على الحروف – كما يقال.
لقد كرس – أبو عاصم – يرحمه الله حياته في خدمة العلم وطلابه، ومن ابحاثه التي لاقت رواجا بين طلاب العلم مؤلف: \”المفيد الاكيد للباحث المجيد\” الذي لم يترك شيئاً يفيد (الباحث) الا وذكره بما في ذلك (النصائح) المتنوعة في كل ما – يراه – في حاجة اليه، تمنيت حينما طلب مني ان ابدي رأيي في الكتاب – ان تستقل الاحاديث النبوية والحكم والنصائح والاقوال المأثورة التي جاءت على الصفحات من (272) الى (303) في كتيب يستفيد منها العامة، كذلك مؤلفه \”اهل الفضل من التربويين في المملكة العربية السعودية\”، و\”الشموع المضيئة في التربية في المملكة العربية السعودية\”، فمدارس الجاليات الافريقية الخيرية في مكة المكرمة.
وهناك سلسلة بعنوان: \”تاريخ التربية في المملكة العربية السعودية، اطلعني على الجزء الاول: من مدارس الجاليات الاسلامية البورمية (الميانمارية) الخيرية في مكة المكرمة، اثنيت على السلسلة ثناء طيبا. فارتاح – يرحمه الله – وطلبت منه ان نصدرها سوياً، يتولى هو جمع مادة اجزاء كتب السلسلة، واقوم انا بدور ترتيب مادته واضاف ما اراه مناسباً الى كل جزء على ان يوضع اسمي على صفحة الغلاف الداخل والخارجي الى جانب اسم المؤلف، استحسن الفكرة، ولكنه لم يعلق!من سجاياه – يرحمه الله – الحلم والكرم والتواضع وتعامله مع الصغير والكبير بود، تخرج على يديه عشرات المئات من طلاب العلم الذين يسهمون في خدمة التربية والتعليم في هذا الوطن الغالي.رحم الله – ابا عاصم – واسكنه الفردوس الاعلى، وان يغفر له وان يرحمه انه غفور رحيم \”انا لله وانا اليه راجعون\”.صدق الله العظيم.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *