[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]الدكتور : علي الطراح[/COLOR][/ALIGN]

قضايا التنصت والتجسس والبلوتوث لم تعد تثير الاستغراب في عالم تحكمه التقنية الحديثة. فالخصوصية الشخصية لم تعد متاحة للأفراد الذين يستخدمون التكنولوجيا الحديثة بأي من أشكالها. لان المجتمعات المعاصرة تعاني الأمرين من هذه التقنية الآن فالبعد الأمني والتنظيمي في بعض البلدان يحتمان اللجوء الى حفظ المعلومات الدقيقة والحصول عليها من أي مصدر وبأي وسيلة. لقد ظهرت مثل هذه التعديات على الخصوصية منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي في قضية ووترغيت.
ومع أن التلصص على الناس بدأ في الميدان السياسي إلا أنه مع تقدم التقنية تعدى الاقتحام ليعانيه المواطن العادي. فنحن نسمع عن التصوير في محلات الكوافير وبيع ملابس النساء باستخدام أجهزة متقدمة ودقيقة يمكن أن يعجز المرء عن معرفتها. وخطورة هذه الحالة أنها تتلاقى مع الرغبة الجامحة في الثقافة العربية بالتدخل بالآخر ومعرفة أخباره على الرغم من أن القرآن الكريم نص بالحرف {ولا تجسسوا}. ان التقنية الحديثة بلغت من خطورتها في اقتحام الخصوصية انها الآن بحاجة الى تشريعات وقوانين حاكمة تنظم استخداماتها. ولكن أهم ما هي بحاجة اليه الآن وبسرعة فائقة هو اعمال الجانب الاخلاقي في كافة التعاملات التقنية. ان البعد الاخلاقي هو السلاح الوحيد الذي سيحمينا من توحش التقنية الحديثة وتوغلها في أدق تفاصيل حياتنا.
اقتحام الخصوصية بدأ على ايدي السياسيين وانتقل اليوم بين كافة شرائح المجتمع وخصوصا في مجتمعاتنا التي اهملت تنمية وتعضيد القيم الاخلاقية وربما أتذكر الخطاب الديني حيث يشكل احد العوامل الاساسية التي تم اهمالها حيث توجه الخطاب الديني للتحريم والقضايا البدهية لم يول قضايا البناء الاخلاقي في الشخصية لاسيما ان للخطاب الديني قوته الرادعه ولكن لسوء الاستخدام تحول هذا الخطاب الى وسيلة تشجيع لانهيار المجتمع. ولعل عودتنا ليقين الخطاب الديني وتفعيل جوانبه الاخلاقية يعد عاملاً من العوامل المهمة في اعادة البناء الاخلاقي للمجتمع، وبكل تأكيد لا ننسى الانهيار الكبير الذي يشهده النظام التعليمي في بلادنا العربية حيث لم يعد التعليم قادراً على تعضيد القيم الاخلاقية وتحول الى وسيلة لضرب منظومة الاخلاق ولعل تقارير عديدة شخصت الحالة في كثير من مجتمعاتنا العربية وتطالب هذه التقارير بالعودة الى فهم أعمق لفلسفة التعليم حيث لم تعد المعلومة او نقل المعرفة هي الهدف الوحيد بقدر ما عملية البناء الاخلاقي للشخصية تعتبر محورا اساسيا على التعليم ان يقوم به.
أخشى ما أخشاه أن نكون قد وصلنا الى تحقيق نبوءة العالم جورج أورويل في كتابه «1984» الذي أرعبنا بتغول التقنية الى درجة محت فيها شخصية الانسان وخصوصيته وتفرده. ولم تعد مقولة «ابتسم للكاميرا» تعني البهجة والعفوية والحبور فالكاميرات أضحت من أعدى أعداء الخصوصية الانسانية وكذلك كافة مشتقاتها.
الوطن الكويتية

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *