واشنطن وموسكو … من غاز الأعصاب إلى عضلات السياسة!!
بين الترقب الحذر، وتصريحات ملتهبة، ما تلبث أن تتراجع وتيرة حدتها.. تشهد الحالة السورية مرحلة مختلفة لا تتوقف عند حدودها، بقدر ما تتجاوز أخطارها ضحايا غاز الأعصاب الكيماوي في “دوما” إلى “شد” الأعصاب السياسية في كل من واشنطن، وموسكو، ثم تشمل دولًا أوروبية، فشلت على طاولة مجلس الأمن، أمام نظام عقيم لمنظمة تجاوزتها هي الأخرى سنوات التغيير، والتحولات في عالم مختلف، صنعت فيه تضاريس سياسية فرضت الكثير من التناقضات.. وأفرزت العديد من التركيبات، مصحوبة بنزاعات دينية وعرقية وسياسية، جميعها كان للسلاح حضوره في المشهد على الخارطة الدولية.
حصل ذلك، ويحصل دون تغيير نظام الأمم المتحدة، ومجلس الأمن .. الذي مازال يضمن صوتاً واحداً للقاضي والجلاد، لتمرير نفوذه في صناعة القرار .. وهو ما حصل في القضية السورية، التي تتحكم فيها موسكو، وتسيطر على حماية الجريمة، وتحتضن المجرم على مدى أكثر من 4 سنوات.
وهو ما يدعو إلى تغيير فرض الفيتو، إلى ترجيح صوت الأغلبية في مجلس الأمن، دون إعطاء فرصة اختطاف القرار بصوت واحد، يتمكن من فرض أجندته؛ طبقاً لمصالحه.
بوتين لم يكن على استعداد لإرسال قوة لحماية رئيس نظام، يدين له بالولاء. ولم يكن في مستوى التحدي أمام الموقف الأمريكي، وذلك في بداية الأزمة السورية.
وكان يراقب بحذر شديد كل تحركات واشنطن. غير أن الرئيس الأمريكي السابق بارك أوباما كان سلبياً.. بل كان يراهن على أوراق خاسرة، حول مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي خضع لمخرجاته المطروحة على خيارات التغيير داخل البيت الأبيض، في ذلك التاريخ، والتي كشفت هيلاري كلينتون تفاصيل محاورها وأهدافها في كتابها الأخير، تحت عنوان (الخيارات الصعبة)، الذي تطرقت فيه إلى دعم أوباما لجماعة الإخوان المسلمين.
كل ذلك البرود، الذي مارسه الرئيس الأمريكي السابق. وانشغاله بالمشروع الجديد في المنطقة، أعطى لروسيا إمكانية التحرك العسكري نحو سوريا، تحت شعار” نشوة استعادة هيبة الإمبراطورية السوفيتية السابقة” ليسير بخطوات متزايدة، بعد كل دفعة من القوة البحرية والجوية يتم إرسالها إلى الشواطئ السورية. حتى تم ضمان استمرار الصمت الأمريكي، لتكون إيران هي الأخرى مطمئنة للدخول بقوة في دولة، ترى أنه لابد من حماية منفذها إلى حزب الله.
هنا تطول التفاصيل والتداعيات المصحوبة، ببلطجة النظام، الذي ضمن هو الآخر أنه تحت حماية شركاء في الدعم، والممارسة.
اليوم، وبعد 50 جريمة لقتل أطفال سوريا بالكيماوي من نظام الأسد، يجد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، أنه أمام إرث صعب من سلفه أوباما.. وخيارات أكثر صعوبة، بعد التواجد الروسي الكبير في سوريا. ويشاركه في ذلك بقية قادة الدول الأعضاء في مجلس الأمن، باستثناء بوتين، الذي أصبح يراهن على المواجهة، في حين يقابل ذلك مخاوف عالمية من خروج هذه المواجهة – في حال حصولها- إلى ما هو أبعد من المكان؛ سياسياً وعسكرياً.
وبالتالي، كان لابد من بقاء الخيار العسكري في الضربة الأمريكية مؤجلاً، مع بقاء التهديد قائماً.. ومصحوباً بتحالف بريطاني فرنسي. حتى يوم أمس. وذلك قبل أن تنجح لعبة رجل المخابرات الروسية، بعد الموافقة على إرسال لجنة من الأمم المتحدة للتفتيش على مدى استخدام غاز الأعصاب، من قبل النظام في “دوما”، رغم أنه كان يرفض ذلك في بداية الجريمة.. ثم جاءت الموافقة المتأخرة، ومعه النظام بعد مرور عدة أيام، تم خلالها معالجة الآثار، ليصعب كشفها.. وهو ما أكده خبراء من المنظمة الدولية، قبل ساعات من تنفيذ الضربة الثلاثية، وبعد أن فشل نظام الأسد وحلفاؤه في دفن قضية غاز الأعصاب، مع أكفان ضحايا الجريمة.. لتبقى الأعصاب السياسية بين المد والجزر مدعومة بعضلات القوة، وتبقى الأبواب مفتوحة على تفاصيل أسوأ!!
التصنيف: