[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]تماضر اليامي[/COLOR][/ALIGN]

تعي الأجهزة الأمنيَة عالميَاً أهمية عنصر المبلِغين المتعاونين للأمن وكذلك عنصر الشُهود للقضاء. ولتشجيع الشُهود على التعاون مع الجهات الأمنية والتَقدُم بشهادتهم أمام المحكمة، تتبنَى معظم الأنظمة القضائية دوليَاً برنامج حماية الشهود الذي بدوره يتكفَل بحماية من يقدِمون شهادتهم ضمن قضايا مجموعات الجريمة المنظَمة أو قضايا جرائم الحرب سواء كان الشُهود من خارج نطاق القضيَة أو حتى من ضمن المتَهمين. البرنامج يضمن حماية المتعاونين قبل المحاكمة وخلالها وبعدها كذلك، وأحياناً لمدى الحياة وصولاً لإصدار هويَة جديدة إن لزم الأمر ووجد القائمين على البرنامج خطورة على حياة المتعاون.
ولكن ومع كل هذه الضَمانات، يكاد لا يلجأ للشَهادة تحت حماية هذا البرنامج سوى من وصلوا لمرحلة حيث خسائرهم بالشَهادة مهما بلغت تكون أقل من تلك التي سوف يتكبَدونها إن لم يتعاونوا مع الأمن. وهو أمر طبيعي، فالإنسان بفطرته يسعى لحماية نفسه ومصالحه الخاصَة قبل أي مصالح أخرى، كما يذود الضرر عن نفسه وأهله قبل غيرهم، مهما قلَ هذا ومهما زاد ذاك. ينطبق نفس المشهد السَابق على المتعاونين بالتَبليغ عن الفساد أيَا كان نوعه، ولذلك أدخلت بعض هذه الأجهزة الأمنيَة وسيطاً بين المتعاون والجهاز بحيث يلجأ الأخير لجهة محاماة معتمدة لتسجيل بلاغه ويوكل لتلك الجهة مهمَة التثبُت من معلوماته الشَخصيَة ومن ثمَ ايصال البلاغ بدورها للجهاز المعني يصحبه تعتيم تام على هويَة المتعاون. عمليَة تسجيل هويَة المبلِغين تخدم في حال ثبت أن البلاغ كيدي ولا صحَة له وهي تحدّ بالتالي من استقبال البلاغات الكاذبة والتي من شأنها إضاعة وقت وجهد جهات التحقيق. أمَا الأنظمة والأجهزة الأكثر جدِية في محاربتها للفساد فقد عرضت على من يجدون في أنفسهم شركاء في محاربة الفساد وتأمين بيئة آمن لأنفسهم ومجتمعاتهم، أن يقدِموا بلاغات مجهولة الهويَة إمَا عن طريق تخصيص أرقام مجَانيَة لإستقبال البلاغات السَريعة أو عن طريق البريد غير المعنون من جهة الإرسال، وهي بذلك أخذت على عاتقها بذل المزيد من الوقت والجهد والموارد في التحقُق من صحَة البلاغات المقدَمة ومجرَد تجاهل ما لا يثبت منها. هؤلاء يعتقدون بأن عثورهم على حالة فساد واحدة بين عدد من البلاغات يستحق العناء، لأنه وببساطة الضرر الذي يحدثه بقاء الفساد أكبر في تقديرهم بكثير من ضرر احتماليَة تلقِي بلاغات كاذبة..!
وأحبُ ان أستشهد هنا بالقاعدة الفقهيَة الشهيرة والمطبَقة لدينا على نطاق واسع وسع السماوات وهي \”درء المفسدة مقدَم على جلب المصلحة\”..
والآن.. هل خطر هذا في بال وزاراتنا وهيئاتنا ضمن سعيهم الحثيث في درء فساد أجهزتهم وقبل تصريحاتهم الصَحفية التي من خلالها يذكِرون الناس بالتعاون معهم للقضاء على الفساد واعدين بالسرِية التامة \”إلا عند الحاجة القصوى\”..!! أم أنَ الفساد هنا ليس بالحجم الذي يستحق العناء..؟

@tamadoralyami
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *