نحن البشر.. نحب ونكره.. نفرح ونحزن .. نبكي ونضحك.. نتوتر ونغضب.. وترتفع نسب الهرمونات المختلفة في أجسامنا لمجرد إحساسنا بشيء ما.
ذلك الإحساس الذي لسنا نعرف موقعه من الجسد الآدمي.. ذلك الحب الذي يملأ النفوس بهجةً وأملاً.. ويبتليها بالألم والشقاء أحيانًا أخرى كثيرة.. أين يقع من جسدنا..؟ أين موقع الشعور بالحب والألم والشقاء ؟.
نكتب ونردد الأغنيات الكثيرة التي تتحدث وتتغنى بالقلوب المجهدة والمتعبة.. ليس من الشرايين والأوردة.. بل من الحب والشوق والوجد.. لكنّ الجراحين الذين يفتحون القلوب كل يوم عشرات المرات بمشارطهم الحادة.. لم يجدوا شيئًا بداخل تلك القلوب إلا أمراض الأوعية الدموية والشرايين .. فأين يوجد إذًا ذلك الحب وتلك المشاعر الفياضة التي تمتلك علينا حياتنا وشؤوننا الخاصة والعامة..؟ أين يوجد ذلك المحرك الآدمي الذي يضخ الحب والأشواق والبهجة إلى باقي أنحاء الجسد .. ؟ ما يحرك فيه طاقات إبداعية .. وطاقات رومانسية كامنة.؟.
أين تكمن تلك الأجهزة الغريبة التي تبدع لنا هذه المشاعر الفياضة من الحب والوجد والكراهية والحقد.. ؟هل هو القلب حقًا كما تقول الأغنيات والأساطير .. وكما تقول الكتب الأدبية والروايات الرومانسية..؟أم جهاز مخفي موجود بداخل الجسد محمل بكل المعاني والخيالات الممكنة والتي لا يمكننا رؤيتها بالتصوير الإشعاعي العادي .. ولا حتى بالموجات الفوق صوتية.. أو بالتصوير المغناطيسي .. أو الأقمار الصناعية .؟.لسنا نعرف حتى هذه اللحظة حقيقة المشاعر الإنسانية التي لا تدار بالريموت كونترول.. ولا يمكن تصنيفها ضمن الإحصائيات المتداولة بالأرقام والنسب المئوية.. فكيف يمكننا أن نقيس الحب الأبوي والأمومي من شخص لآخر .. ومن بيئة إلى أخرى..؟ وأي معيار سوف نبني عليه قياساتنا تلك والتي لم تعلن بعد في أي من مراكز الأبحاث المنتشرة على جميع البقاع في هذه الكرة الأرضية الواسعة الأطراف .؟.كيف يمكن لبني البشر جميعهم دون استثناء.. أن يبكيهم الحزن والفواجع والنكبات.. مهما تعددت اللغات واختلفت.. بينما يطربهم الفرح ويسعدهم على كافة مستوياتهم البيئية والدينية والأخلاقية ..؟ إنهم جميعهم يتشابهون في فيض المشاعر التي يحملونها.. والتي نردد أنهم أو أننا نحملها بداخلنا.. ولكن في أي جزء من أجسامنا..؟ أهي تلك الخيوط الواهية التي تربط بين خلايا الجسم والمخ البشري.. تلك الحبال الغريبة التي تتكون من مجموعة من الخلايا النابضة الحساسة.. والتي تسمى الأعصاب.. ؟ وأين تكمن كل تلك المشاعر الجياشة التي نعبر عنها في كل لحظة وكل ثانية من هذه الأعصاب الغريبة الشكل والتكوين..؟.أين يمكننا أن نجد مداخل الفرح والسعادة التي تحتويها تلك الأعصاب..؟ ومناطق الألم واللذة والكراهية والحب والجوع والعطش.. والبرد والحر .. وغيرها..؟.إنه عالم عجيب ذلك الذي يسكن في دواخلنا وتحت جلودنا وأضلعنا المخبأة منذ اللحظة الأولى للميلاد.
عالم لا يمكن لبشري اختراقه والنظر إليه تحت المجاهر والميكروسكوبات الحديثة.. لأننا لا نعرف حتى هذه اللحظة مواقع تلك المشاعر ومسكنها الحقيقي في أجسامنا.. لا نعرف كيف تبدو وكيف يمكننا تصويرها على حقيقتها طالما أننا لم نرها حتى الآن.. ولا أعتقد أننا سنتمكن بكل ما لدينا من علوم وأجهزة دقيقة أن نكتشف مواقعها الخفية في داخلنا.. فهذه المشاعر العظيمة ليست في موقع يسمح لنا بالاقتراب منه.. إنها كالنفس الإنسانية التي لا نعرف عنها شيئًا .. وكالروح التي تخرج من الجسد لحظة الموت.. إنها أشياء تسبح وتهيم في ملكوت الخالق الذي منحنا إياها.. ولن نستطيع الوصول إليها إلا حين نكتشف حقيقة علاقتنا به وبعظمته في خلقه.. فتبارك الله أحسن الخالقين.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *