مذكرة أوكامبو: الخلفيات… والتداعيات

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue] النوري الصل[/COLOR][/ALIGN]

دخل السودان منعطفا خطيرا مع قرار المدّعي العام في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي اعتقال الرئيس عمر البشير.. ولا شك أن في السودان أوضاعا لم تكن بحاجة الى مثل هذا الاتهام الخطير لرئيس دولة لتزيد الأوضاع تأزّما وتعقيدا وهو ما لا يعكس هشاشة الأسس القانونية التي استند إليها في توجيه تلك الاتهامات متجاوزا بذلك كل المبادئ والقواعد المستقرة في القانون الدولي فحسب بل ينمّ أيضا عن وجود نوايا مبيتة هدفها استهداف السودان قيادة وشعبا وتاريخا وحضارة.
والحقيقة أن هذا التطور يطرح اليوم عديد التساؤلات من حيث توقيته وأبعاده وخلفياته فإذا كان المدعو أوكامبو جادا في مساعيه الى تحقيق العدالة الدولية كما يزعم فلماذا لا نراه يصدر مذكّرة اعتقال بحق مرتكبي جرائم الحرب في غزة والعراق وأفغانستان والصومال؟.. ولماذا لا نراه يطالب بمحاكمة رؤساء حكومات مثل بوش وبلير عن جرائم الحرب في العراق وتلك الانتهاكات الفظيعة في أبو غريب وغوانتانامو؟..
إن هذه التساؤلات يطرحها اليوم كل مواطن سوداني حيث هناك قناعة كبيرة لدى الشارع السوداني بأن الهدف من استهداف رأس السلطة هو زعزعة استقرار السودان كما يرى أن المحكمة الجنائية بسياساتها هذه هدفها نهب ثروات بلاده وتدمير استقرارها.
والحقيقة أن هذه القراءة لا تغيب عن أي مواطن عربي فالواضح أن السودان أصبح اليوم أكثر من أي وقت مضى مطمعا للغرب منذ اشتعال أزمة دارفور وظهور مؤشرات قوية على وجود معادن ثمينة وبترول فيها.. وليس ذلك فحسب بل ان الواضح أيضا أن الغرب ممثلا في الولايات المتحدة وفرنسا خصوصا يريد النفاذ الى السودان ووضع «سكين» في الخاصرة العربية عن طريق التحكّم في هذا البلد العربي مترامي الأطراف.. ولذا فإن قرار اعتقال البشير لا يتوقف عند محاولة إهانة السودان وشعبه بل يتجاوزه الى الأمة العربية قاطبة وكل شعوب الأرض المستضعفة خصوصا في مثل هذا التوقيت الذي يأمل فيه العرب محاكمة مجرمي الحرب الصهاينة على فظاعاتهم المقرفة في غزّة.. والدول الغربية التي تدّعي الدفاع عن حقوق الانسان كان عليها أن تستحي بعض الشيء وأن تكف عن سياسة «المكيالين» فعوراتها باتت معروفة.. واسطواناتها باتت مشروخة ومكشوفة..وهي اسطوانات لن تنطلي اليوم على السودان الذي يعيش شعبه بمختلف أطيافه وانتماءاته حجم المؤامرة والذي لا يغيب عنه أن التحدي الحقيقي الذي يواجهه ليس مرتبطا بما جاء في مذكرة أوكامبو من اتهامات وتهديدات بل ان جوهر التحدي هو في قدرته على احتواء التكالب الغربي عليه.
وتحضرني في هذه المناسبة عبارة أثيرة ذات مغزى للمفكر الأمريكي يوب مورغانتو في النصف الأخير من القرن العشرين يقول فيها «إن الرأي العام في النظم الديمقراطية يجعل مهمة الرجل السياسي أسهل لأنه يطلب أن يكون ساسته أبطالا لا يسلمون للعدو ولو أمام خطر الحرب».
وتلك هي اللحظة التي يدركها الشعب السوداني الذي يبدو غير عابئ بسيل التهديدات التي يتعرض لها بلده ولسان حاله يردّد «لا يزال النيل يتدفّق ولا زلنا نغني ونرقص فليس للمجرمين باسم العدالة أن يمنعونا من الغناء على أغصان وطن.. كان ولا يزال عصيا على الاستهداف.. رغم المحن.. وأحيانا غدر الزمن..
الشروق التونسية

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *