لا يعني قبول الرأي الآخر تبنيه
نحن أمة عرفت قبول الرأي الآخر، منذ اعتنقت الإسلام قبل ما يزيد عن أربعة عشر قرناً، وكان الرعيل الأول ممن اعتنقوا هذا الدين الحنيف، صحابة سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلاميذه النجباء، الذين كانوا يختلفون عندما يجتهدون، ولا يخطئ أحدهما الآخر، ولا يحمل عليه ولا يعنفه، مادام الاجتهاد سائغاً والاختلاف وارداً، وقد ورثنا عنهم من مسائل العلم التي اختلفوا فيها نماذج رائعة، فهم علموا ان الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد، الا اذا كان احدهما خطأه واضح، اما مادام يتلق بدليل مقبول، ولا نص فيه أو اجماع فالاختلاف مقبول، وهذا ما أدى فيما بعد الى ظهور المذاهب منها الأربعة المشتهرة مذاهب الائمة ابي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وكثير غيرها لم يشتهر لان صاحبه لم يكن له تلاميذ ينشرونه، ونحن اليوم ندرس في علومنا الشرعية ما نسميه الفقه المقارن، نقابل فيه الآراء في المذاهب، ونسوق أدلة كل منهم، ولا يعني ذلك اننا نعدد الدين، او نضرب بعضه ببعض، ولذلك قواعد وشروط تمنع من هذا، وبهذا ورثنا تراثاً فقهياً أو قل قانونياً، قل المثيل له في هذا العالم، فمصادر العلوم الشرعية لا حصر لها، ومصادر القواعد القانونية في فقهنا من الكثرة بحيث ان بعض الأمم من حولنا استفادت منها، ونحن للأسف نبحث في الكثرة بحيث ان بعض الأمم من حولنا استفادت منها، ونحن وللأسف نبحث في غيرها، وننقل عن الأمم الأخرى قوانينها، ولكن هذا كله لا يمكن ان يقال عنه اننا اذا قبلنا قول الغير ممن نختلف معه مذهباً نتخلى بسبب ذلك عن مذهبنا ونلتحق بمذهبه، قد تمسك اكثرنا بمذاهبهم، رغم قبولهم للرأي الآخر المختلف، واليوم مع الجهل الذي عمّ غاب عن الناس الأسباب التي اختلف من أجلها العلماء المجتهدون، وما بنوا عليه مذاهبهم، فظنوا ان كل اختلاف ضار، وتجرأ البعض بمنعه، بل ان بعضهم ذهب ان وحدة المسلمين تعني الا يختلفوا، مما لم يقله احد من علماء الأمة على مرِّ العصور، بل غن صب الناس في قالب واحد، فاذا هم جميعاً على رأي واحد، إنما هو المستحيل الذي لا يحدث أبداً. فالناس لايزالون مختلفين دينياً، كما هم في الدين الواحد مختلفين مذاهباً، وإن علماء الامة أيضا قبلوا كل من صلى بصلاتنا وأكل ذبيحتنا من أصحاب المذاهب الأخرى التي تشتمل على بدع، واسموهم أهل القبلة ولم يكفروا منهم أحداً، إلا من كان له بدعة مكفرة تخرجه عن أصول الدين وقل ما هم، ونحن اليوم في أمس الحاجة إلى جمع كلمة المسلمين وان اختلفوا فالعداء لهم في هذا الزمان ظاهر، تتخطفهم الأمم من حولهم، ولابد لهم من وحدة صف تجمعهم لتحميهم من أعدائهم، ولكن ذلك لا يكون إلا بمنهج ديني صحيح جمعهم قديماً، ولايزال صالحاً ليجمعهم مستقبلاً، وأن يجتمعوا وهم مختلفين خير لهم من يتفقوا وبعضهم يكره بعضاً ويعاديه، ولعل أول ما يلتفتون اليه منهج التكفير الذي ولد بينهم البغضاء والكراهية فينفوه عن حياتهم ويجرمون من يحمله فكراً، ويدعو إليه سراً وجهراً، فهذا المنهج منذ ظهر على يد الخوارج في عصر الصحابة وحتى ليوم الناس هذا هو يفتك بأمة المسلمين، ويفرقها بدداً، ثم يعمل السيف فيها والقنابل ثم الأحزمة الناسفة منهم وابحثوا عن ضحاياه تجدون جلهم من المسلمين وحدهم، وموجة الإرهاب الحديثة لو احصى قتلاها لكانوا جلهم من المسلمين، وقلوا من غيرهم، فهل نحن ندرك هذا هو ما أرجو. والله ولي التوفيق.
التصنيف: