كنز الكاتب عقل ناضج
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عبد العزيز أحمد حلا[/COLOR][/ALIGN]
الدخول فى أفياء الكتابة والكتاب أمر يستحيل على الباحث حصره فى عجالة كهذه لذا فأنا اعتذر منذ البداية إن حصل التقصير وهو حاصل لامحالة ولكن التسديد والمقاربة قد يكونان أمرا محمودا فى مثل هذا الاتجاه واخص بالذكر تلك البحوث التى يحتمل تفسيرها العديد من الاتجاهات وهنا فى هذا المبحث تطرق العديد من الأدباء الأوائل وكل تناول الموضوع من زاويته التى شعت نورا للأجيال المتلاحقة وهناك منهم أيضا من قال إن الكتاب يشكلون للعمل الثقافي أيا كان مصباحا يضيء حروفه وأزيد علما على ذاك فى قوة إشعاع الكاتب من منطلق الموازنة الراجحة فى كفة دون أخرى وبها يعرف إدراك الكاتب من مخزونه فإن أعطى فهو ثري ومخزونه عامر وان شح ترى الركاكة تغسل موضوعه بماء آسن ويشعر بهذا النبض حتى من لا يتوفر لديه الحس الادبى الكافي ومن هنا نرى التغلغل من دونه فى محراب الثقافة ولا يقتصر هذا الحكم على المبتدئ ولكن فى معظم الأحايين تصادفنا تلك المفارقات من الكبار وهذا يعني أن العمل الثقافي أيا كان نوعه هو الذى يفرض نفسه على الساحة وان أجبره الصانع غدر به كما قال احد كبار الشعراء إن خلع الضرس عندي أهون على من نظم بيت شعري وهو الحال مع الكاتب والمؤلف والقصصي وغير ذلك وهى لفتة من قبل النماذج ليدركها من يفرض نفسه على الغير .
الكاتب مدار البحث هنا هو ذاك المشهور بخفة الظل والشخصية الكتابية المألوفة وهو ذاك الذى يمتطى قلمه كما يمتطى الفارس الحصان ومنه ينتزع المعنى على غرار قلمك حصانك إن هنته هانك وان صنته صانك وهو أي الكاتب القدير إن كرر الكلمة أو الأسلوب عدة مرات يستطيع الهروب من الملل وينقل القارئ من طور إلى طور دون أن يجعله يدرك تلك الهاوية التى نقله عبرها كما جاء فى هذه التوليفة من هذه الأبيات :
بكى بين ظهري رهطه بعدما دعا *** ذوى المخ من أحسابهم والمطعم
فقال لهم راحوا خناقى وأطلقوا *** وثاقي فاءنى بين قتل ومغرم
فقالوا : استغث بالله أو اسمع لبنه *** دعاءك يرجع ريق فيك إلى الفم
وقد عدلنا الاستغاثة لأن البيت جاهلي والمقصود من هذا الدلو أن ذوق المتلقي لايمكن له الاستقامة فى الانحراف حتى لو كان فى تراكب الحروف وإذا كان تراكب الحروف يأتي تباعا على هوى المعنى فكيف بمن يأتي بالسلوك المغاير تحت مسمى الإبداع والطامة الكبرى عندما نقرأ بيتا مهزوزا أو قصة متناثرة أو رواية يتقدم فيها العنصر على البطل أو غير ذلك لقد اعادنى هذا الفكر العربي الأصيل لذاك الإنتاج البديع للغزالي فى كتابه – أيها الولد – بعد أن صرح فى قوله : إن الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة ولهذا الاعتبار قسم العلوم التى تقدم شرحها إلى ثلاث وجبات رئيسية وهى : العلوم التى ذم قليلها وكثيرها كالسحر والتنجيم – ثانيا : العلوم المحمودة فى كثيرها وقليلها مثل العلوم الشرعية – ثالثا علوم يحمد منها قدر معين ويذم التعمق فيها مثل الفلسفة ومع هذا فقد كانت هذه المبادئ عند الغزالي فرعية لكنها تقود إلى الأصول . والأصول فى محراب الغزالي لاحصر لها لكننا نطرق هنا أهمها التى منها المساعدة على جلب السعادة من خلال اى عمل ادبى فني .. محاولة نقل المتابع ديناميكيا وبخفة وسلاسة أسلوبية رائعة من طور إلى آخر بشرط أن لايشعر المتابع البون المفارق . ثالثا الرحمة والشفقة بالمتابع وذلك من خلال الطرح المؤدب البعيد عن المبالغة والتهويل بخيال يكون اقرب مايكون للحقيقة وفى منظوري أن الكاتب الحق الذي يفيد الناس بعلم غزير ومفيد هو رباني لأن الله عز وجل سمى معلمي الناس بالربانيين فى كتابه الكريم ( ولكن كونوا ربانيين ) وقد ذكر البخاري فى شرحه أن الرباني هو الذى يربي الناس بصغار العلم قبل كباره وخير إدراج فى هذا المفهوم بعيدا عن الأعيب الأساليب اللغوية المعتادة التى ننصح بإتباع القدر الكبير منها حتى نبلغ الغاية قبل المهمة هذا النهي المغموس فى قالب الأدب الفكري الجيد والذى لايشوبه زيغ فى أن يكون من الحقيقة فى معظمه جاء عنه فى طبرى أبى هريرة رضي الله عنه حيث قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كانت امرأتان معهما ابناهما فجاء الذئب فذهب بابن إحداهما فقالت لصاحبتها إنما ذهب بابنك فقالت الأخرى إنما ذهب بابنك فتحاكمتا إلى داود عليه السلام فقضى به للكبرى فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام فأخبرتاه فقال ايتونى بالسكين أشقه بينكما فقالت الصغرى لاتفعل يرحمك الله هو ابنها فقضى به للصغرى رواه البخاري ومسلم .. والمعنى انه استشف من جواب الصغرى أن حنان الأم وشفقتها على وليدها لايستره ساتر ومن هذه الفراسة القوية حكم للصغرى بالولد.
إن ماجاء من شواهد متواضعة جدا فى المجمل احتراما للوقت وقابلها أيضا الواقع الفعلي نرى أن الكثير من الواجبات تتطلب من الكاتب أن يمارسها بحكمة ودراية واطلاع واسع ليصوغها للعامة على جميع المفاهيم وإلا لن يكن رباني بل علماني يهز القلوب إلى الهاوية.
المدينة المنورة : ص.ب:2949
Madenah-monawara.com
التصنيف: