أ.د. محمود نديم نحاس

أي جهاز نشتريه نجد معه كتيب تعليمات الاستخدام. ومؤخراً صارت الكتيبات تُكتب بعدد من اللغات، لأن الشركات الصانعة أدركت أهمية تسهيل استخدام أجهزتها حتى يقبل الناس على شرائها، في حين يعرضون عن شراء الأجهزة التي لا يعرفون كيف يستخدمونها. ومع كل جهاز بطاقة الضمان، التي تضمن إرجاعه إن لم يكن صالحاً، لكن سوء الاستخدام غير مشمول بالضمان.
تذكرت هذا وأنا أطالع عناوين الأخبار والمقالات في الصحف. فقد قرأت عناوين كثيرة من قبيل: ارتفاع نسبة الطلاق، العنف الأسري، هروب البنات… ولا أستطيع أن أجزم أن ما يحدث في كل موضوع منها، هل هي حالات فردية أم أنها صارت ظاهرة، لأن الحكم عليها يحتاج لإحصائيات لا أملكها.
هذه الموضوعات الاجتماعية جعلتني أفكر لماذا لا يقرأ المقدم على الزواج، من ذكر أو أنثى، كتيب تعليمات الزواج؟ ولماذا لا يشتري مَن عَلِم بأنه سيرزق بمولود كتاب ألف باء التعامل مع هذا الطفل؟ كيف يكون الزواج سَكَناً ومتى يصبح جحيماً؟ وكيف نضمن أن يكون الأولاد بارّين بوالديهم، بل كيف يكونون عناصر بناء في المجتمع إن لم نحسن تربيتهم، ونحن نعلم سلفاً بأن سوء الاستخدام غير مشمول بالضمان!
جاء رجل إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يشكو إليه عقوق ابنه. فأحضر عمرُ الولدَ وأنّبه على عقوقه لأبيه، ونسيانه لحقوقه. فقال الولد: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى. قال: فما هي؟ قال: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب. قال الولد: إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك! أما أمّي فإنها أمَة، وقد سماني جُعلاً (أي خنفساء)، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً. فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت إلي تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك!
مؤخراً قامت عدة جهات في جدة بعمل دورات للنساء المقدمات على الزواج. وهذا عمل طيب مشكور، لكن ما هي نسبة اللواتي حضرن مثل هذه الدورات؟ وهل هناك دورات مشابهة للشباب المقدمين على الزواج؟.
الحياة الزوجية علم وفن وعبادة، والمشكلات والأزمات تحدث فيها نتيجة الجهل. وهناك كتب جميلة وصريحة عن هذا الفن كتبها علماء الدين أو علماء النفس. يقول مؤلف كتاب (تحفة العروس أو الزواج الإسلامي السعيد): ولا شك أن القارئ والقارئة سيفاجآن ببحوث صريحة إلى غاية الصراحة في هذا الكتاب، ولا عجب، فالإسلام دين الحياة، والغريزة الجنسية جزء هام من هذه الحياة! فكان من الطبيعي أن يعالجها هذا الدين الحنيف بشيء من الطرافة والتشويق والموضوعية ما دام الزواج ركناً عظيماً من أهم أركان صرح الأمة.
إن كتيب التعليمات أفضل هدية نقدمها للمقدمين على الزواج. فهل نقرأه وندرك أن سوء الاستخدام غير مشمول بالضمان؟
كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *