فى ذكرى الثورة المصرية .. الحياة فى عيون أرملة شهيد
25 يناير 2011 يوم حافل فى تاريخ مصر لم ولن يمحى من ذاكرتها ، فهو لم يكن عيد الشرطة المصرية وحسب بل أصبح أيضاً ذكرى ثورة الخامس والعشرون من يناير ذلك اليوم الذى تسطر فيه التاريخ مرة أخرى بعد خروج الملايين للتظاهر ضد نظام الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك ، إتجهت قوات الشرطة المصرية تجاه المتظاهرين لمنعهم من التظاهر ولم يمضى سوى بضع ساعات حتى تفاقمت الأزمة لتصبح معركة شرسة ودامية بين المتظاهرين وقوات الأمن
بين الثائر الذى إنتفض بحثاً عن حقوق ضائعة وبين ضابط الشرطة الذى وقف ليدافع عن قسم الشرطة وتصدى لمحاولة حرقه وقفت أسرة الإثنين تتابع بخوف وقلق بالغ المشهد الذى كان يزداد سوادٍ كلما مرت الدقائق المرعبة به ، أظلمت الحياة فى أعين زوجات الثائرين وزوجات الضباط فى هذا اليوم التاريخى ، مرت الأيام سريعاً حتى أتى 28 يناير أو “جمعة الغضب” أسوء الأيام التى عاشتها مصر على الإطلاق وإكتست فيها بالسواد ، كانت المشهد سوداوى للغاية لا يوجد به أى بريق للأمل ، لم تتوقف الدموع ولا الدماء ، حمل بعده الجميع الأكفان ليلف بها جثث شهداء الثورة وشهداء الشرطة الذين سقطوا جثثاً هامدة فى ساعاتٍ إنقطع فيها الرجاء ، فدعواتى للإثنين بأن يجعل الله مثواهم الجنة ويغفر لهم ويلهم أسرهم الصبر والسلوان على مُصابهم الجلل فالفقدان من أبشع وأقسى المشاعر التى قد يعيشها الإنسان على الإطلاق ، وعند حضور ملك الموت يجب أن يقف الجميع إحتراماً له فلا مكان الأن لتبادل الإتهامات والسباب فقط الصمت التام فهناك راحل بيننا خرج ولن يعود ، فارقتنا ضحكاته وكلماته ، لم يعد إسمه بيننا رحل الأن وأخذ كل ما يتعلق به معه تاركاً وراءه أشخاص يتألمون وقلوب زوجات وأطفال وأباء وأمهات تتمزق وجعاً ، إن كان هناك فى نظر البعض فرق بين الثائر والضابط فلا مكان لهذا الفرق عند الله فالجميع سواسية أمام الله ، تفاقمت الأزمة وإحتد الخلاف بين الإثنين ولكن دفع الثمن غالياً الزوجات ، تلك المرأة الفاضلة التى تناضل الأن حتى تحافظ على منزلها وتربى الأطفال الذى رحل أبيهم فى لحظة غاضبة سالت بها الدماء بلا توقف ، إختلطت دماء الضابط مع الثائر وتقاسمت الزوجات الحزن فى النهاية ، لم تتوقف دموع الزوجات حتى الأن ، لم تكترث الزوجة فى تلك اللحظات المظلمة للمواقف السياسة ومن سيرحل ومن سيأتى كل شغلها الشاغل هو زوجها ، حبيب العمر وصديق رحلة الكفاح ، ما أصعب تلك اللحظات التى جلست تحتضن بها اطفالها وتتابع عبر شاشات التلفاز اللحظات التى تعلن بها الدولة إسم زوجها بعدما أصبح فى عداد الشهداء ، فى مثل هذا اليوم من كل عام تتجدد الأحزان وتسيل الدموع ، فلن يتوقف قلب الزوجة عن النزيف حتى تلك اللحظة ، تؤمن زوجة الضابط أن زوجها شهيداً دافع عن الحق وهو ما قد يربط على قلبها قليلاً أن زوجها كان يدافع عن وطنه مجاهداً ، وتؤمن زوجة الثائر أن زوجها إنطلق بحثاً عن الحقوق الضائعة ورفع الظلم عن الضعفاء وإنه شهيداً من أجل نصرة الضعفاء ، تعيش أرملة الضابط وأرملة الثائر أسوء لحظات حياتها فالزوج لم يصبح سوى ذكرى وصورة وميدالية تحمل إسمه بالنسبة للوطن ، ولكنه داخل قلبها وطن كامل ، تشعر بالغربة وهى داخل الوطن ، لا تستشعر الأمان حتى وإن كانت فى قلعة محصنة ، من رحل من الممكن أن يُصنف لدى الجهات ثائر أو ضابط ولكن داخل قلب المرأة هو الحبيب ، الزوج ، الأب ، الأخ ، الصديق ، لا يوجد من سيملأ هذا الفراغ من بعده ، لم تجد من سيشعرها بفرحتها التى كانت تشعر بها حين يفتح أبواب منزله معلناً قدومه لها ولأطفاله ، لن تركض فرحة حتى تحتضن رجلاً لطالما شعرت معه بالأمان فالذى كانت تشعر معه بالأمان رحل بلا عودة ودون وداع ، فى ذكرى ثورة الخامس والعشرون من يناير ليصمت الجميع وكل القوى السياسية ولتحيا ذكرى كل من رحلوا عنا سواء إتفقنا أو إختلفنا مع أفكارهم فهم الأن بين يدىّ قاضى السماء الذى لا يظلم أبداً وهو وحده عز وجل خص لنفسه الرحمة والعقاب فلا يحق لنا محاسبة من لم يعد بيننا الأن ليدافع عن نفسه أو أفكاره وليحيا كل من خرج صباحاً من منزله مودعاً أسرته بلا عودة من الجهتين ، رحلتم ولكن لم ترحل ذكراكم ، هنيئاً لكم الشهادة ، وأسأل الله أن ينزل على قلوب زوجاتكم السكينة والصبر والقوة التى تعينهن على تحمل أعباء الحياة بدونكم
التصنيف: