ضرب الطلاب ليس أسلوبا تربوياً

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عمر قويدر[/COLOR][/ALIGN]

لقد بات واضحا بأن ايقاع العقاب البدني والنفسي على الطلاب في المدارس الحكومية ملفتا للنظر وهي ممارسات غريبة تؤرق المجتمع وتقلق الاسرة وتحبط الطالب وتؤثر على جوهر العملية التربوية بشكل او بآخر..
ان الدراسات والابحاث المستفيضة التي تقوم بها الدول المتحضرة وتنفق عليها الاموال الطائلة ضمن المراكز والمؤسسات التربوية والاجتماعية والتي يقوم عليها خبراء علم النفس والاجتماع والمرشدين التربويين تركز جل اهتمامها على نشر الوعي السلوكي والتربوي السليم في التعامل مع الطلاب في المدارس وعلى الأخص طلاب المرحلة الاساسية أصحاب العظام الرقيقة والبنية الضعيفة والتكوين النفسي المتغير، حيث يؤكد جميع الخبراء من خلال توصياتهم ونتائج بحوثهم على ضرورة تجنب استخدام الاساليب المعنفة للطالب وايقاع العقوبة من خلال الضرب لما يتمخض عن ذلك من آثار نفسية وجسمية وخيمة على الطالب، ولا سيما من الناحية الشعورية والابداعية وقدرته على التطور والتخلص من الخجل وتكرس في ذاته مزيدا من العدوانية والتمرد وفي أحايين كثيرة فقدان الذات الايجابية من حيث السلوك والشعور النفسي ومعاملة الآخرين.. ومن هنا بادرت الدول المتحضرة وكثير من الدول النامية بإصدار القوانين والتعليمات والتوصيات التي تمنع العقاب البدني في المدارس منعا باتا تحت طائلة المسؤولية القانونية وراحت تؤكد على اتخاذ كافة الاساليب العقلانية الحكيمة والخطط التربوية المبتكرة في التعامل مع الطلاب ومعالجة سلوكهم السلبي بشتى الطرق والوسائل المنطقية بعيدا عن الضرب لما لهذه الاساليب من نتائج ايجابية في معالجة جميع المشاكل التي تعترض سير العملية التربوية.
إن عقوبة الضرب في المدارس كما يؤكد علماء النفس هي من أضعف وسائل التغيير والتهذيب واذا ترتب عليها نتائج سريعة فهي مؤقتة وفي كثير من الحالات لا تؤدي هذه العقوبة الى الزجر والنهي عن تكرار الفعل السيئ او السلوك الخاطئ كما وان التوقف عن هذا النوع من العقاب لا يؤدي بالضرورة الى انهيار العملية التربوية – كما يدعي البعض – بل هي من الاساليب القاهرة التي تؤخر نمو العقل والمنطق والحكمة وتقدم الغضب والعصبية عليها وتجلب البغض والكراهية لانها تتعارض مع كرامة وحقوق ومشاعر النفس البشرية التي تؤكدها الفطرة وتكفلها الشرائع ومواثيق حقوق الانسان.
نعم إن الضرب هو من اضعف وسائل التغيير والاصلاح والتهذيب الداعية الى تصويب الانحراف والسلوكيات السلبية وتؤدي الى اخراج جيل جبان يعيش بالزجر والخوف والترهيب ولا يجرؤ على اعلان رأيه فيكره الطالب العلم ويفقد قدرته على الابداع الذي بالعادة لا ينشأ إلا من خلال جو من الحرية والاحساس الايجابي بالذات والبيئة المحيطة..
تقول إحدى المرشدات التربويات \”إن الضرب هو اسلوب غير مقبول تربويا، ولا يجدي غالبا في تعديل سلوك الطالب على المدى البعيد، بل قد يصبح الطالب اكثر عنادا ويحاول تكرار الخطأ بعد العقاب. الطالب ليس ملاكا معصوما عن الخطأ حتى الكبار يخطئون \” وتقول ايضا \”الاكتئاب والقلق والانطوائية وكره الحياة من اخطر الآثار النفسية التي قد يصاب بها الطالب في حال تعرض للضرب، والضرب قد يبعد الطفل عن تعلم المهارات الحياتية الاساسية، كفهم الذات والثقة بالنفس والطموح والنجاح والمثابرة، هذا عدا عن عدم تقبل فكرة الذهاب الى المدرسة\” وتضيف ايضا: \”هناك العديد من البدائل التربوية للضرب اهمها تفهم دوافع السلوك الخاطئ ومعالجتها بدلا من ضرب الطالب، وايضا اعطاؤه فرصة للترويح والمرح خصوصا في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها ابناؤنا من احتلال وقهر، وتوضيح السلوك الصحيح من الخاطئ بالحوار\”.
لم أكن اتخيل يوما معلما على درجة عالية من الرقي والمعرفة والخلق الرفيع ان يقبض في يده عصا غليظة او يشد حبلا او بربيشا ومن ثم يلاحق الطلاب في ساحات وردهات وممرات المدرسة ويضرب بها على قفاهم وجنوبهم او يصفعهم على رقابهم ووجوههم ذات السمات الطفولية البريئة..!!! كما لا يجوز للمعلم ان يعاقب الطالب بالوقوف الى جانب سلة المهملات امام اترابه او دعوته الى تنظيف الحمامات وجمع القمامة او الوقوف على اصابع رجليه بعضا من الوقت، وغيرها من الاساليب التي لا تغذي في نفس الطالب غير الحقد والكراهية تجاه المعلم والمدرسة. كثير من الطلاب هجروا مدارسهم وفقدوا فرصة التعليم وخرجوا الى الحياة اكثر نقمة وحسرة وكبروا وما زالوا يتذكرون تلكم الاساليب والمعاملات القاسية التي كابدوها وفاضت قلوبهم بالحسرة والتأسي..
لقد هرمنا ولم نزل نحمل في ذاكرتنا تلكم الصور الجميلة والرائعة لمعلمينا الذين اتحفونا بعلمهم وحسن معاملتهم وبشاشة وجوههم وكانوا الدافع والمحفز لنا في التقدم والابداع والمثابرة، وما زلنا نلقاهم بكل محبة واكبار واجلال وترحيب، وذلك على عكس غيرهم الذين دفعوا في نفوسنا الخوف والقنوط بسبب فظاظتهم وغلظة قلوبهم..!
إن الطالب الذي يخرج من بيته قاصدا مدرسته قد اصبح امانة في عنق مديرها وهيئتها التدريسية وعليهم ان يوفروا له اقصى درجات الحماية والرعاية والعمل على حل مشاكلهم بالتعاون مع المرشد الاجتماعي ومجالس الأولياء. نعم يتحتم على المعلم تبني الحكمة والموعظة الحسنة والنصح والارشاد ولا يعدم الوسيلة الايجابية في تعديل سلوك الطلبة \”ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك\”.
نطلب من الجميع (وزارات التعليم ونقابات المعلمين والاسرة والمختصين) بذل مزيد من التعاون وتكثيف الجهود المخلصة في معالجة هذه القضية حرصا على اجيال المستقبل القادم.. رجال الغد.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *