اذا سلمنا جدلا بان السفر (قطعة من نار) فانه له ايضا متعة لا تضاهيها أية متعة.. فهو بجانب انه استزادة لمعلومات اكبر كانت خافية على اذهاننا قبل الولوج في اية رحلة.. فانه ايضا فرصة لملاقاة وجوه جديدة .. والتعرف عليهم .. وفي اكثر الاحايين فرصة اكبر لروابط انسانية.. وصداقات متينة تدوم على مر السنين.. فالإنسان بطبعه تواق لمعرفة الجديد .. والتوغل في المجهول للتنقيب عن مصادره.. والالمام بقدر الامكان لما يطويه هذا المجهول من خفايا .. والاسفار هي احد العوامل التي تساعد الانسان في طي المجهول ومعرفة الجديد.. ومن هنا فان حب الانسان للتسفار كانت غريزة كافية منذ الازل.. فما تلك الرحلات التي ابتكرها اجدادنا منذ القدم ما هي الا بحث عن المجهول في هذا العالم الرحيب .. فاطلقوا اشرعتهم صوب المجهول ليدركوا الحقائق عن كثب .. وبالرغم من بدائية وسائل الانتقال في ذلك الوقت .. فان الرغبة في طي المسافات عن طريق الدواب حينا.. وبالأقدام احيانا.. كانت هاجسا تداعب خلجات اسلافنا .. والان بعد ان تطورت هذه الوسائل .. ودخلت عليها (التكنولوجيا) بشتى صورها.. فما زال الانسان محلقا في اجواء العالم .. تارة بالطائرات .. وتارة بالقطارات (السكة الحديد) واخرى بالسيارات ثم بالسفن .. وذلك لان الهدف هو اقتحام المجهول بأي طريقة ما ومع تعدد هذه الوسائل وتطورها .. فان هناك اختلافا بين الناس في تفضيل وسيلة دون اخرى.. فالبعض يفضلون السفر جوا .. وذلك لسرعة الوصول.. او غيرها من الاسباب والبعض يفضلونه بالبحر .. طلبا للسكون والهدوء.. والتمتع بمشاهدة البحار والمحيطات .. وهناك من يحب السفر بالناقلات البرية.. كالسيارات مثلا.. القليلون هم الذين يحبذونه بالأقدام.. مثل الرحالين .. وهذا بالطبع حالات نادرة .. والمهم هو قطع المسافات .. وان كان بحرا .. او جوا .. او برا .. فالسفر في كل الحالات (جميل) يعطينا انطباعات جديدة.. وانا واحد من اولئك الذين يتوقون للسفر.. ويتمتعون بمشاهدة المناظر الجميلة .. لذا دائما امتطي جناح اية غيمة لأحلق في هذا (الوجود) وكثيرا ما كنت اتخذ الجو او الطائرات لهذا الغرض.. ولكنني في رحلة بحرية قمت بها اخيرا.. اكتشفت ان لمثل هذه الرحلات متعة كبيرة فهي بالإضافة الى متعتها فرصة لتدبر هذا الكون .. وقدرة الخالق جل وعلا في ابداعاته المتناهية سبحانك اللهم ما اجلك وما اعظمك يا اكرم الاكرمين .. فقد كانت رحلة بحرية في غاية الجمال تضم مجموعة من الرفاق .. رأينا فيها بام عيوننا هذا الابداع الكوني .. من حيث المخلوقات التي يعج بها (البحر) فالحيتان بألوانها واشكالها المتنوعة تطفح على السطح حينا وتنغرس للعمق احيانا.. فبدأت أتأمل هذا المنظر البديع واتدبر في قدرة مولاي الخالق بديع السموات والارض.. شيء جميل لقدرة ربي تبارك وتعالى.. والتنسيق الممتع لتحركات هذه المخلوقات الصغيرة في احشاء هذا البحر الصاخب .. ولا غرو ان هذه الامواج المتلاطمة التي تترنح لها السفينة.. تحمل ايضا في طياتها كنوزا من الاصداف .. والمحار .. بجانب رونق الماء وهو يعلو تارة .. وينخفض تارة اخرى.. انها لحظات بديعة قضيناها وسط البحر.. نتأمل هدأة الليل .. بينما النجوم المتناثرة تزين السماء كأحلى دور.. والسكينة تلف الاجواء وتكسوها بغلالة من الهيبة والوفاء.. فتنعكس معالم الجمال في صورة تدعو للتأمل والحيرة معا .. ونتدبر فيها ابداعات رب الكون في هذا الوجود.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *