حتى لا تنتهك حرمة الوطن
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue] د.طارق عباس[/COLOR][/ALIGN]
السلام لا يعني التفريط، وتحقيقه ممكن في ظل أطراف تكره لغة الدم، وتؤثر الحق على القوة، وتريد واقعًا سويًا تحكمه الخطط لا المؤامرات.
وقد أدرك الرئيس المصري محمد أنور السادات – رحمه الله – أن مصر لا يجب أن تعيش طيلة حياتها غارقة في بحور من الدماء، مهدرة الموارد، بعد حروبها الأربع مع إسرائيل، فكان قراره الذهاب إلى عقر دار العدو وتوقيع معاهدة السلام معه عام 1979 أملاً في فتح صفحة جديدة في العلاقات العربية الإسرائيلية عمومًا والمصرية الإسرائيلية خصوصًا.
لكن هل حرصت إسرائيل على بياض صفحتها مع مصر؟ هل كانت تريد سلامًا حقيقيًا، أم مجرد هدنة طويلة تلتقط خلالها الأنفاس لتعود بعدها لجولة عسكرية جديدة على أرض سيناء؟ من المؤكد أن إسرائيل التي بدأت بجيش، وانتهت إلى دولة، كيان ضد قوانين الحياة، ووجودها هو الابن الشرعي للقوة والبطش والإمبريالية، واستمرارها كجسم غريب بين الدول العربية، يستلزم منها جعل الخوف منهجها، والحذر والحيطة وفقدان الثقة في الآخرين مفاتيح مناسبة للتعامل معهم، وبالتالي فإيمانها بالسلام ليس حرصًا على السلام، وإنما استعداد للحرب.
وعندما جلس بيجن مع السادات كان أمل إسرائيل الأول تحييد مصر، وليس السلام معها، والدليل أنه بعد توقيع معاهدة السلام استأسدت على العرب، وارتكبت ضدهم المذابح لوأد أي معنى للمقاومة بداية من اجتياح بيروت عام 1982، وانتهاء بمجزرة غزة والتي راح ضحيتها أكثر من 1300 شخص وجرح ما يربو على 5 آلاف آخرين، والدليل أيضًا تكثيف إسرائيل لأنشطتها التجسسية ضد مصر في وقت السلم أكثر من وقت الحرب، وهي مسألة تستوجب إعادة النظر في عملية السلام المصرية الإسرائيلية برمتها، فما معنى السلام إذا كان محاطًا بالمؤامرات؟
وما قيمته مادام يستخدم في التنصت على مصر وانتهاك سيادتها؟ وما ضرورته إذا كانت إسرائيل مصرة على الحرب بعد نقلها من العلن إلى الخفاء وبعد استبدال قواعدها العسكرية في سيناء بقواعد أشد خطرًا هي قواعد العملاء والجواسيس المنتشرة في أرجاء مصر؟ كيف يمكن مواجهة عدو يعرف عنا كل شيء ويدبر لنا تحت الأرض ما سيحول سطحها إلى جحيم؟ منذ عام 1979 والنشاط الاستخباراتي الإسرائيلي يتزايد ويتمدد، وقد تمكنت الشرطة المصرية في عام 1985 من إلقاء القبض على عصابة تجسس إسرائيلية جاءت إلى مصر في صورة سائحين، وأثناء الرحلة قاموا بالتقاط صور لمواقع مهمة وحساسة، وفي طريقهم للرحيل ضبطوا بما كان في حوزتهم.
وفي عام 1986 تم ضبط شبكة تجسس أخرى ضمت عددًا من العاملين في المركز الأكاديمي الإسرائيلي بالقاهرة، إلى جانب سيدة أمريكية تعمل في هيئة المعونة الأمريكية، وكان بحوزة المجموعة كمية من الأفلام والصور وأجهزة إرسال واستقبال، ومعمل تحميض وتبين أن هذه الصور لأماكن حساسة جداً، تم التقاطها ليلاً باستخدام أشعة الليزر.
وفي عام 1987 أوقعت الشرطة المصرية المتيقظة دائمًا في شباكها، رجلاً مصريًا وضابطًا بالموساد حاولا إقناع سيدة بالتعامل معهما والتخابر لصالح إسرائيل، إلا أن الفتاة أبلغت عنهما، وتم تقديمهما للعدالة، وفي نوفمبر من عام 1996 كشف النقاب عن أشهر عملية تجسس إسرائيلية طيلة العقود الثلاثة المنصرمة، بعد إلقاء القبض على الجاسوس الإسرائيلي عزام مصعب عزام، وشريكه المصري عماد عبدالحميد، وفجأة وبدون مقدمات يفرج عنه وتتم مبادلته بشباب مصريين قيل إنهم تسللوا إلى إسرائيل.
وفي عام 2000 يقبض على العميل شريف الفيلالي الذي جندته سيدة يهودية في ألمانيا ثم مهد له السبيل للقاء أحد الضباط السوفيت العملاء للموساد في إسبانيا واستطاع الأخير الحصول من العميل المصري على معلومات سياسية واقتصادية وعسكرية مهمة وحوكم الشاب بالسجن 15 عامًا، وفي السنوات الأخيرة بالغت إسرائيل في اختراقها لسيادة مصر، وفي تجنيد من هم على شاكلتها، لكن الشرطة المصرية كانت لهم بالمرصاد، وتمكنت من ضبط أكثر من 25 شبكة تجسس.
وتشير التقارير إلى أن عدد الجواسيس الذين جندوا في هذه الفترة بلغ حوالى 64 جاسوسًا 75% منهم من المصريين، والباقي من جنسيات أخرى. إذن ما تقوم به إسرائيل يقتصر على خدمة إسرائيل، والسلام الذي نتحدث عنه ليل نهار وننشئ في ظله اتفاقية لبيع الغاز واتفاقية الكويز وغيرهما، هو سلام إسرائيلي بالمفهوم الإسرائيلي تسير عجلته عكس اتجاه مصالحنا، ويقودنا – على أقل تقدير – إلى سكة الندامة يوم لا ينفع الندم، يا سادتنا، ما تريده إسرائيل هو استثمار السلام استعدادًا للحرب، وما نريده نحن مزيد من تضييق الخناق على الإسرائيليين الموجودين في مصر، فكفانا ما تسرب من معلومات، حتى لا تضيع منا السيادة، وحتى لا تنتهك حرمة الوطن.
المصري اليوم
التصنيف: