جدلية دور الجامعة كمصدر لإحداث التغيير

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. فيصل الملا عبدالله[/COLOR][/ALIGN]

إن دعوة الجامعة لكي تأخذ دورها الفاعل في إحداث التغيير في المجتمع وتنميته، ليست بفكرة جديدة، ولكنني أستحضر الجامعة كفكرة وكمؤسسة لما لها من علاقة في موضوعنا عن حكاية الحداثة والأصالة عندنا، وبما اننا قد أحضرنا موضوع الجامعة وعلاقته في مسألة التحديث، فان من المهم الوقوف على السؤال الجوهري، وهو: هل يفترض من الجامعة أن تتولى تحديث منظومة الفكر من مختلف جوانبه؟ أي هل هي المصدر المنتظر لإحداث التغيير المنشود؟
والحديث عن التأثير الذي من الممكن أن تحدثه أي جامعة من الجامعات في مجتمعها، في مجال التغيير الاجتماعي والسياسي والثقافي وكل مجالات النمو والتطور، يعتمد في الأساس على المعرفة والإلمام بالإمكانيات المادية المتوافرة لهذه الجامعات وكفاءاتها الإدارية والأكاديمية، بالإضافة إلى تاريخ الجامعة وعمرها الذي يرتبط في الغالب ارتباطا طرديا مع الخبرة المتراكمة كما ونوعا. ويمثل عامل المحيط الثقافي الذي توجد فيه الجامعة وتخدمه عاملا أساسيا في معرفة نوع وعمق الأثر الذي أحدثته الجامعة في هذا الوسط.
إن النسيج الثقافي، بمكوناته البشرية والاجتماعية وعاداته وتقاليده وقيمه ومؤسساته ومنظوماته السياسية، من الممكن أن يشكل عامل دعم وحفز للجامعة للقيام بمسؤولياتها ونشر رسالتها وإحداث التغييرات في المجتمع، وفق المصالح والثوابت المرعية والمعتبرة، ومن الممكن أن يتحول هذا النسيج إلى عامل تثبيط وإعاقة للجامعة، حيث قد تكون برامج الجامعة ونشاطاتها محل جدال ونقاش وقبول ورفض في الأوساط الثقافية. وفي وضع كهذا لن تستمر وتيرة عمل الجامعة طالما ووجهت فعالياتها بالرفض وعدم القبول.
وحيال علاقة الجامعة بإحداث التغيير المجتمعي تبرز الإشكالية الفلسفية القائلة أيهما يأتي أولا البيضة أم الدجاجة؟ أي أيهما يؤثر في الآخر هل الجامعة هي التي تؤثر في ثقافة المجتمع أم أن ثقافة المجتمع هي التي تؤثر في الجامعة، حيث تجعلها تسير وفق نسق قيمها وفي إطار تفكيرها وحسب توجيهاتها وصياغاتها؟ وفي وضع كهذا يطرح السؤال حول جدوى وقيمة الجامعة إذا كانت هي المتأثرة لا المؤثرة وهي المفعول به لا الفاعل، وماذا ينتظر من جامعة غير قادرة على الإمساك بزمام التغيير الثقافي، وتتأثر بتلاطم الأمواج الثقافية والاجتماعية من حولها حتى أنها تنهزم وتتراجع أمام القوة الثقافية والاجتماعية المحيطة.
وحتى لا يفهم أن القوى الثقافية هي المؤثرة والمحركة وما الجامعة إلا ترس صغير داخل المنظومة الثقافية والاجتماعية، يستشهد البعض بالآثار التي أحدثتها الجامعات في مجتمعات متعددة، مدللين على الدور البارز والقفزات النوعية التي أحدثتها جامعات عدة في مجتمعاتها مع أن هذه الجامعات نشأت في أوساط ثقافية واجتماعية رافضة للتغيير ومحاربة له.
وبالتأمل في كلا الطرحين يجد المرء أن الأخذ بأحدهما مغالاة، إذ لا يمكن قبول خضوع الجامعة للمكونات الثقافية بحيث يكون دورها سالبا، كما لا يمكن التسليم بالدور الحاسم للجامعة في التغيير الثقافي دونما أخذ في الاعتبار للثوابت والقيم السائدة في المجتمع، فالمعادلة يفترض أن تكون متوازنة، ولذا فبرامج الجامعة وأنشطتها وكل فعالياتها يفترض أن تؤسس وفق واقع المجتمع الثقافي واحتياجاته الآنية كما أن الجامعة يفترض أن تؤسس برامجها وفق منظور مستقبلي للصياغة الجديدة للمجتمع.
يمكن القول إن ما أحدثته الجامعة من تغيير في المجتمع العربي ليس بالطموح المنشود. ولو تتبعنا تواريخ الجامعات العربية لما وجدنا أي أمثلة لجامعة قائدة في التغيير، ولنأخذ مثالا من دول شمال افريقيا حيث ظهرت أسماء مهمة في مجال الثقافة والفكر ومن غير الوارد في ذهن أي منا أن ينسب آيا منهم إلى جامعته التي يعمل فيها، أو أن ينسب فكره إلى المؤسسة الجامعية التي تضمه، بل ان غالبية الناس يجهلون أماكن عمل هؤلاء، ولا يدرون في أي جامعة هم. والذي نجده دوما هو أن جامعة كل واحد منهم هي أول من تصدى لكل منهم بالنقد والتقليل من شأنه.
إن الجامعات لا تستطيع تأدية دورها في عملية التغيير والتقدم والبناء الحضاري من دون تطور سياسي واجتماعي واقتصادي مواز ومواكب لتطورها في جو يتيح الفرصة كاملة لحرية البحث والرأي والنقد، ويرى البعض أن الجامعات العربية تشكو أزمة حقيقة وهي جزء من أزمة التخلف العامة التي يعيشها المجتمع العربي. وقد انعكس ذلك على الجامعات، فبدلا من أن تكون الجامعات رائدة في قيادة المجتمع وتغييره، أصبحت تابعة تعكس سلبياته وتلهث وراءه. ولكي تقوم الجامعات بدورها المطلوب في ميادين التنمية المستدامة، والتقدم التكنولوجي، والإسهام في الإنتاج، وقيادة المجتمع الفكرية لابد من إعادة النظر الجذرية في هياكل التعليم كله، وأوضاع الجامعات وتحويلها من مراكز تقليدية لتخريج الطلبة إلى مراكز لبناء جيل جديد قادر على استيعاب المستجدات في العلوم والتكنولوجيا وثورة المعلومات المتدفقة، وحتى تستطيع أن تؤدي دورها الفاعل لابد من التركيز في ضرورة تنمية التفكير العلمي، واخذ قضايا المجتمع ومشاكله المعقدة بنظر الاعتبار، وإيجاد الحلول لها وخدمة المجتمع المهني والوطني والقومي والإنساني، وبكلمة موجزة، فان نوع فلسفة التعليم العالي وأهدافه المطلوبة ينبغي أن تكون فلسفة واضحة الأسس علمية تطبيقية تربط بين التنمية التربوية والتنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والتنمية الثقافية وأخيرا التنمية السياسية.
ختاماً.. وبناءً على ما تقدم يمكننا القول ان الجامعات في مجتمعاتنا العربية عموماً، بالرغم من التقدم الذي حصل فيها، لم يتسن لها بعد أن تصبح مؤسسات أصيلة ذات بنية ذاتية تسهم في حركة التغيير السياسي والثقافي والتربوي والفكري والاجتماعي وغيرها، ومعنى هذا أنها لن تحقق بعد الحد الأدنى من رسالتها. وإذا تقرر أن وظيفة الجامعات هي قيادة حركة التغيير فإن مدى نجاح الجامعات في القيام بهذه الوظيفة يظل دائماً رهنا بمدى نجاح الجامعات في القيام بدورها الثقافي. إذا كان الدور الثقافي للجامعات بالأهمية المشار إليها فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو كيف يمكن للجامعات أن تقوم بهذا الدور على الوجه الأكمل؟ من الواضح أن الإجابة عن مثل هذا السؤال تتطلب جهدا علميا جماعيا منظما توظف مختلف التخصصات والخبرات ذات الصلة. وفي إطار ما يمكن أن يسهم به الجهد الفردي يمكننا القول ان إتقان الجامعات دورها في حركة التغيير يتطلب، بالإضافة إلى ما يمكن أن يضيفه البعض، قيامها بدور ريادي في تعزيز وترشيد علاقة الثقافة بالعلم، وإنماء الثقافة، وتطوير وتفعيل خطابها الثقافي.
أخبار الخليج البحرينية

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *