دخلت إلى القاعة التي سأقوم فيها بتقديم ورشة ضمن فعاليات حملة \” ثابت على قيمي \” ، والتي تقام في ٥ دول عربية، وأنا أتساءل : يا ترى كيف سيستجيب طلاب الثانوية لمثل هذا العنوان؟ فالحملة تهدف إلى الثبات على القيم وتعزيز الهوية الثقافية، وفي هذه الأيام نرى أشكالاً مختلفة من فقدان الهوية وتفسخ القيم .ولعل الذين اختاروا هذا الموضوع للحملة أساساً اختاروه لما رأوا من ظواهر سلبية ومن تقليد أعمى ينتشر انتشار النار في الهشيم داخل مجتمعاتنا .
دخلت على الطلاب وأنا أتوقع أنني سأدخل في حوار \” طرشان \” مع شباب متهور متحمس سيستهزئ برجعيتي وتخلفي ويستنكر حرصي على هوية وقيم هو لا يعرفها أصلاً، وأخذت أنظر في الوجوه التي أمامي مذعوراً من استنتاجاتي وأحكامي المسبقة .
وما أن بدأت حتى تغيرت تلك الصورة فوجدت شباباً يدرك أهمية القيم والتمسك بالهوية، ووجدت منهم اقتناعاً مسبقاً بما تريد الحملة تعزيزه، ما وجدته هو أنه بالرغم من أن كثيراً من هؤلاء الشباب يمارسون ظواهر لا تدل على اعتزازهم بهويتهم فإنهم في داخلهم مقتنعون كامل الاقتناع بها وحريصون عليها، ولكن هنا لابد أن نسأل لماذا لم يتحول هذا الاقتناع إلى سلوك وممارسة؟
هناك بعض المجتمعات التي مرت بتجارب طمس الهوية عمداً وتجاوزتها بنجاح باهر، مثال ذلك العديد من الدول التي استقلت من ربق الاحتلال خلال فترة الاستعمار .
المزعج في الأمر أن شعوبنا الحرة، والتي لا تعاني من أي نوع من أنواع الاحتلال العسكري، تبادر أحياناً إلى استجلاب كل ما هو غربي وكأنها تقوم بمهمة الاحتلال بالنيابة عنه ..فتجد مؤسساتنا تمتلئ بالمديرين والمستشارين الغربيين، بل إن أحدهم أخبرني أن إحدى الجامعات العربية حولت جميع تعاملاتها الإدارية باللغة الإنجليزية، وأخطر العاملون بها بأنهم إذا لم يكتسبوا اللغة الإنجليزية فالجامعة غير مسئولة عن عدم فهمهم المراسلات التي تصلهم .
وتجد الأسواق تمتلئ بالمعاني الغربية من أسماء المحال والإعلانات والاحتفال بالأعياد الغربية والطمس لكل ما ينتمي إلى هوياتنا، فتجد المجمعات التجارية هذا اسمه إيطالي وذاك إنجليزي، ولا تجد مجمعاً واحداً من المجعات الكبرى اتخذ اسماًً عربياً أو استفاد من جماليات المعمار العربي .
في الحقيقة قبل أن نلوم شبابنا على تقليدهم للغرب لابد أن نحاسب مؤسساتنا ومجتمعنا
على انسياقه في سباق غير معلن لاستيراد الهوية، شبابنا ليسوا إلا نتاجاً للبيئة التي ينشأون فيها، فحينما نوفر لهم بيئة تحتضن الهوية الثقافية الإسلامية العربية، حينها فقط يمكننا ويسمح لنا بأن نطالبهم بالانتماء لهذه الهوية ملبساً ومنطقاً وتصرفاً، ولكن مادمنا قدوة سيئة لهم في تقليد الغربي ونبذ المحلي، فنحن أكثر جرماً من ذلك الذي يمشي في السوق وبنطاله عند ركبتيه .

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]ماجد الأنصاري[/COLOR][/ALIGN]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *