بعد شهر رمضان
وصل الدائرة الحكومية قبل نهاية الدوام الرسمي بساعة، لم يجد من يستلم منه أوراقه، المكاتب نصفها مهجورة والنصف الآخر يجلس على كراسيها موظفين أشبه بالأموات منهم من الأحياء، وكلما سأل أحداً منهم قالوا: “يا أخي أتيت متأخراً؟ تعال غداً صباحاً أفضل لك”، لم يجد بداً من ذلك، رغم أن الدوام لم ينته فعلياً!، راجع أخينا الدائرة في اليوم التالي، وبالتحديد بعد ساعتين من بدء الدوام، ليفاجأ برد الموظفين أنفسهم بأنه قد جاء متأخراً! كيف يكون متأخراً والدوام لم يمض على بدئه سوى 120 دقيقة فقط؟!. فإن جاء قبل نهاية الدوام بساعة أُعتبر متأخراً، وإن جاء بعد بدء الدوام بساعتين قالوا متأخراً أيضاً، وأجزم لو راجعهم مع بدء الدقائق الأولى من دوامهم لردوا عليه : “ما قلنا بسم الله، انتظر نأخذ نفسنا لنبدأ العمل”!. هذا إن لم يطلبوا منه تأجيل المعاملة إلى ما بعد شهر رمضان. إذن متى على المراجع أن يكون متواجداً في الدوائر الحكومية والوزارات لإنهاء معاملاته في شهر رمضان المبارك؟
كثيرون هم من يعطون أنفسهم إجازة عن العمل بطريقة غير رسمية، عبر التوقف عن مهامهم الوظيفية في شهر رمضان المبارك، رغم أنهم على ساعات الدوام بحسب العقود الإدارية، ولا همهم إن كان توقفهم عن تلك المهام سيعطل مصالح العمل أو مصالح الناس التي تلهث وراء إنهاء معاملاتها، متكبدة عناء التنقل من مكان لآخر في عز الظهيرة، جرياً وراء توقيع أو ختم، فالمهم عنده أن يجلس على الكرسي، بعين نصف مفتوحة، يتفقد ساعته بين الحين والآخر ترقباً لموعد الانصراف عن العمل. فالذي يعرفه هؤلاء جيداً أن عليهم واجب الصوم باعتباره فرضاً واجباً من العبادات، متناسين إن خدمة المسلم لأخيه، والتي منها إنهاء معاملاته هي الأخرى وجه من وجوه العبادات، باعتبار أن العمل عبادة، بل متناسين كذلك أن المال الذي يتحصلون عليه كراتب يصرف لهم نهاية الشهر ليس بحلال ما داموا لم يقوموا أصلاً بواجباتهم الوظيفة المتفقة عليها في عقد العمل. فيقبلون على أنفسهم أكل مال حرام بحجة أداء فريضة الصوم.
البعض يختصر الأمر منذ البداية، ويعرف تماماً مدى قدرته على تحمل مشقة الصيام في أيام العمل – رغم تقلصها – فيطلب إجازة خلال الشهر الكريم، وهذا والله أفضل ألف مرة من ذاك الذي يتواجد بجسده فقط، ووجوده من عدمه سواء. فاتقوا الله يا موظفين ولا تفسدوا صيامكم بتعطيل معاملات خلق الله.
ياسمينة : شهر رمضان ليس بشهر كسل ولا بشهر تعطيل معاملات الناس وتأجيلها، فالوقوف على مصالح خلق لله هي الأخرى عبادة.
التصنيف: