نبيه بن مراد العطرجي

موجة الغلاء المتصاعد التي داهمت أرض البلاد بعد أن كانت تنعم بالرخاء ، وطالت أكثر أنواع السلع والخدمات ، وصارت كلُّ أمور المعيشة الضرورية في غلاء فاحش لا يُعقل تسبب في منع المواطنين من أداء مسؤولياتهم الاجتماعية التي اعتادوا أدائها من قبل ، وغدت تصريحات تنزيل الأسعار لوضعها السابق أوهام يُغرَّرُ بها المستهلكون ، وقد شمل الغلاء جميع فئات المجتمع ، وكسر ظهور رجال يتحملون رعاية عوائلهم مقابل دخل شهري محدود أصبح لا يفي بالمطلوب ، الأمر الذي دعاهم لخوض بحر الديون التي أختلط فيها الحلال بالحرام ليتمكنوا بالوفاء بواجباتهم بالصرف على من يعولوا ، أو بالبحث عن وسائل أخرى لجني المزيد من الأموال تساعدهم في تغطية النفقات الأسرية ، حتى أضحت حياتهم هماً مؤرقاً بالليل ، وكدحاً مستمراً في الصباح بمزيد من الانشغال بالدنيا ، واللهث وراء المال لتلبية احتياجات الحياة تحت مظلة جشع التجار ، ونوم الضمير في نفوس أصحاب الرقابة الذين أعطيت لهم الثقة من قبل ولاة الأمر ، ونسوا أنهم من أفراد الأمة ، وعضو في جسمها ، يؤذيهم ما يؤذيها ، وينفعهم ما ينفعها ، فهذه الموجة القوية التي داهمت البرية قبل أكثر من عامين وما زالت مستمرة في الارتفاع الطردي ، وليس هناك ما يصدها ، فإن واقع الحال يقول أنه يتوجب على جميع الجهات الحكومية ، والمنشئات الأهلية التعاون المتبادل لعقد دورات تثقيفية لكوادرهم العاملين بجميع القطاعات تتضمن تدريبهم على الترشيد الاستهلاكي ، ومحاوله القيام برفع درجات الوعي لديهم في كيفيه اختيار الأولويات المفترض الصرف عليها ، وترغيبهم بمبدأ الاقتصاد في الشراء والاستهلاك قال صلى الله عليه وسلم : ( كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة ) ومن ثم البحث عن البدائل ذات الجودة ، والسعر المناسب ، وتشاركهم في ذلك الجمعيات لتنور عقول النساء اللواتي لا يعملن ، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الدورات لن تحل مشكلة الغلاء ، وتعيد الناس إلى سابق عهد الرخاء ، لكنها ستخرج لنا في المستقبل جيل قادر على التكيف مع مجريات حياتهم ، وفهم كيفية إدارة دفه الحياة بما لديهم من مال , وبالتالي ستنمو في المجتمع بذور ثقافة جديدة مفادها أن السعادة الحقيقية ليست في التبذير ، وامتلاك كل ما نريد ، وإنما تكون في الحصول على ما نحتاج ، قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى – من قنع طاب عيشه ، ومن طمع طال طيشه – ولعل وعسى أن تكون هذه الموجه المستمرة في الارتفاع سبباً لأن يعود الناس إلى ربهم فتصلح أحوالهم ، ويستقيم أمرهم ، ويفتح لهم خالقهم أبواب الخير .
همسه : من عمر قلبه بالقناعة نعم بالراحة .
ومن أصدق من الله قيلاً { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *