لا تخلو أي حارة من الألقاب، فكان معظم أبناء الحارة لهم ألقاب يشتهرون بها، وقد تنسى أسماؤهم الحقيقية ويطغى عليها ذلك اللقب. وهناك ألقاب مستحبة وهناك العكس ولا يخلو الموضوع من الظرف والطرافة، فلكل حارة ظرفاؤها الذين يحبهم الصغار والكبار ولا تحلو الحياة إلا بهم.
صاحبنا، كان يلقب بالكدمب لكثرة كذبه وخصب خياله وكنت أحياناً أشعر أنه لا يكذب ولكنه مريض بالوهم. وقد كان برغم ذلك طيباً شهماً حلو المعشر، وكان يغضب من هذا اللقب، وإذا سمعه يتوقف عن الحكاية، فقد كان يحب لقب البطل. فإذا أردنا حكاية أعطيناه مايريد. كان لهذا البطل دراجة يعتز بها كثيراً ويسميها بساط الريح ويدعي أنها نفاثة وأسرع من الصوت وينسج الكثير من حكاياته حولها.
تصدقوا، هكذا تبدأ حكاياته،
الأسبوع الماضي ركبت بساط الريح وطلعت القمر.
معقول؟!!!!! يجب أن نبدي استغرابنا للاستزادة. نعم وربطت البسكليتة في العلم الامريكي اللي هناك.
طيب كم يوم يأخذ المشوار للقمر؟ ضحك الكدمب وقال كم يوم؟ هيا كلها ساعتين.
مو معقول، طيب هيا قوم ورينا دحين. لا لا ماينفع الآن. شوف الآن هلال ومافي مكان. فين أوقف البسكليتة؟ وفين أفرش سجادتي؟ وفين أولع الفحم؟ ماينفع الآن ياحبيب. أنا إذا طلعت القمر لازم آخذ مزاجي ولازم أضرب البراد والتعميرة هناك وارجع قوام قوام. طيب تستعمل خرائط او بوصلة عشان تروح القمر؟ ياواد إنت أهبل ولا أعمى يا لكدة، مو أهو قدامك ما تشوف؟ قال خرائط قال.
هيا صلوا على النبي، تخبروا حرب اسرائيل؟ قلنا ايوة طبعاً نخبرها. أيامها أنا قاعد اسمع الأخبار في الراديو، وقالوا حصلت ثغرة ، والعدو يحاصر جيوش العرب. بس والدم يفور في عروقي وأخذت عصاتي وسكينتي وأركب بساط الريح وهوا على سينا. يومين وأنا فوق البسكليتة ما وقفت. وصلت سينا في الليل، ظلام كحل ماتشوف أصباعك. وقفت البسكليتة في طرف الصحرا عشان الانسحاب بعدين.
دخلت مخيم العدو بشويش واليهود نايمين وأروح على الدبابات وبالسكينة قطعت كفرات الدبابات كلها. قلنا، بس الدبابات بجنازير مو كفرات. قال، صح سؤال حلو. ياغشيم انت وهو، الدبابات القديمة كانت كفرات أما الجديدة، جنازير وانا عامل حسابي، جبت معايا أقفال بسكليتات وربطتها كلها وأخذت قارورة اسفنيك جبتها معايا وكبيتها كلها في خزان الموية حقهم.
بعد ماخلصت، رحت أتسللت لمخيم الجيش العربي ورحت لخيمة القيادة. دخلت على القائد، أعطيته التحية وعرفته بنفسي قال لي مايحتاج يابطل، سمعتك سبقتك، وهل يخفى القمر.
المهم، خبرته بالمهمة اللي سويتها. أنبسط مني وقال: بيض الله وجهك. قلت له: أبد ما سوينا إلا الواجب.
الجماعة خلاص مربطين والسم في الموية. من الفجر تقوموا عليهم وتفرموهم. تؤمرني خدمة تانية؟ أعطاني التحية وقال: لا خلا ولا عدم. درب السلامة يابطل.
بس وانا راجع لمكان البسكليتة عشان انسحب، انفجر في لغم واستشهدت.
ياشيخ، معقول استشهدت؟ وكيف رجعت؟ قال: يعني هي دي أول مرة استشهد فيها؟ خلاص أديت واجبي واستشهدت. إيش أجلس أعمل في الصحرا؟
ابتعدنا قليلاً، وبصوت واحد، يا كدمب. عن إذنكم المطاردة بدأت، لازم أشرد.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *