العم حسن البواب
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]م. أنس الدريني[/COLOR][/ALIGN]
كعادته في كل صباح يستقبل يومه الجديد بحيوية ونشاط يستيقظ من الفجر يبدأ بتنظيف المجمع السكني الذي أسكن فيه يهتم بكل تفاصيله يتنقل بين أدواره الثلاثة بخفة ورشاقة كعصفور حالم وكأنه ذات العصفور الذي غنت له أميمة الخليل ذات زمن بعيد \”عصفور طل من الشباك\” يمسح الجدران ..يعطر الأجواء.. يلبي طلبات السُكان .. هكذا منذ عرفته مخلص في أداء واجباته. إنه حارس مجمعنا السكني \”العم حسن\” صاحب الابتسامة العريضة ذو اللون الأسمر الغامق والقامة القصيرة واللكنة السودانية المعجونة بمصطلحات الجداويين.
سألته ذات مرة: ما سر هذا الحرص؟ ولماذا كل هذا التفاني؟
لتأتي إجابته: إن حب العمل طريق للإخلاص وما أجمل الإخلاص يا ابني, لقد اؤتمنت على هذا المجمع العريض وكلي أمل في أن أرضي ربي ثم نفسي وأكرم الرجل الذي أكرمني ولم يبخل علي بشيء.
يردف قائلاً: سنوات الشقاء التي عشتها جعلتني أفقد شيئاً من الحب للأشياء وأنا اليوم أركن للانغماس في دوامة العمل الموكل إلي علني أعوض شيئاً مما قد فات ..قالها وهو يضحك وأضاف: يا \”أُنيس\” \”بضم الهمزة\” لا تتخيل مدى سعادتي عندما يثني علىّ صاحب المجمع ويقدر هذا التعب ..صدقني لا تسعني الدنيا.
سألته: أنا حسب علمي أنك متزوج.
– نعم.
– تحبها؟
بالطبع هي أم أولادي الخمسة لكن شعوراً ما جعلني أعيش هذا الحب من باب العشرة فقط.. لم أعد كما كنت سابقاً ..ذبلت مشاعري .. أتعبتني الحياة فافتقدت أجمل معانيها!!
– لم أفهمه جيداً لكنني أومأت برأسي في إشارة إلى أني فهمت وهذا ما جعلني أقطع حديثه بالدعاء له بالعمر المديد والصحة الدائمة.
ركبت سيارتي .. متجهاً إلى إحدى دوائرنا الحكومية .. لي أوراق مهمة أود أن أنهي إجراءها.
ذهبت لمقابلة المسؤول هناك ..وصلت إلى مكتبه والذي يخيل إليك أنه من مكاتب البيت الأبيض الفاخرة ..كل شيء فيه يدعوك للتمتع والانبهار.. الأثاث على أحدث الموديلات ..الستائر مموجة ألوانها.. المقاعد مريحة.. السجاد نظيف.. رائحة العودة لا تكاد تهدأ .. كل شيء أخاذ فيه.
على أية حال الساعة تشير إلى العاشرة والنصف وما زلت أنتظر مجيء هذا المسؤول .. إلى أن شرفنا سعادته في الواحدة والنصف .. يتثاءب بطريقة كريهة ..خطواته متثاقلة طريقته في الكلام تشعرك بالقرف ..كسول ..متعالٍ ..يثير الاستفزاز
تعاملي معه جعلني أدرك تمام الإدراك أن غاية الإخلاص في العمل غاية سامية لا يصل إليها إلا الأوفياء الصادقون مع أنفسهم الذين لا تعنيهم المظاهر أو المناصب..عرفت في تلك اللحظة قيمة ذلك \”الحسن\” الذي ينعم مجمعنا السكني بإخلاصه الدائم وعطائه المتواصل.
التصنيف: