الصَمتْ … العِلمْ المَهجُورْ

Avatar

نبيه بن مراد العطرجي

نتعَلم فِي هَذه الحيَاة علُوما كثِيرة مختلِفة فِي شتَى المجَالات ، نسْعى مِن خِلالها لتحقِيق أهدافنَا الدنيوِية الثانوِية ، فِي حِين أَن التعْليم الأساسِي هُو تعَلم أصُول الدِين الحنِيف لِنعبد الله كمَا أمرَنا فِي مُنزل التحكِيم ، وَمن أولوِيات التعَلُم الإنصَات الذِي غدَا فِي هَذا الزمَان عِلما مِن العلُوم النادِرة التِي يتعلمهَا المتعلِم ، فَهو يعلمَك حُسن الاستمَاع الذِي يفتَقده الأغلبِيه مِن النَاس ، وَالإنصَات وَالصمتْ وجهَان لِعمله واحِدة لَا يجِيد فَن التعامُل بِها فِي عصرَنا الحاضِر إلَا القلِيل مِن البشَر ، فالصمتْ عِلم مِن العُلوم التِي هجرهَا الكثِير مِن الخلائِق فِي تعامُلاتهم مَع الغَير ، فَلغة الصمتْ لغَة راقِيه لَا حرُوف لهِا كباقِي اللغَات ، لغَة تخْلوا مِن العبَارات الجارِحة التِي قَد تُشعِل فِي النفوسْ أمُور لَا تحمَد عُقباهَا ، والمواقِف التِي تصادِفنا فِي حياتنَا اليومِية تحتَاج مِنا إلَى تعَلم لغَة الصمتْ وَممارسَتها ، لَيس لِأن التعَامل مَع تِلك المواقِف بالكَلام صَعب ، ولكِن لِأن الصمتْ يُداويهَا بِبلسم المحبَة ، لَا سِيما إنْ كَان ممزُوجاً بابتسَامة حَانية ترسُم عَلى المحَيا السرُور ، ويُعد الصمتْ مِن الأسْلحة الهجُومية المسْتترة التِي تمنَح صاحِبها قُوة لَا يمكِن أنْ يتحَلى بهَا إذَا نطَق ، والتعَامل بِه يوَلد الإحترَام لك ْمِن قِبل الغَير ، وَهو مِن أفضَل الإجابَات البارِعة التِي لَا يُجيدها الثرثارُون ، فَبالصمتْ قَد تُحقق مَا لَا تُحققه بِالكلَام ، فَكلمَات الصمتْ مِن أقوَى الكلمَات التِي لهَا تأثِير فِي الآخرِين ، وَصاحِب البَصر وَالبصِيرة يعِي أَن للصمتْ جمَالا لَا يجِد متعَته فِي كُثرة الكَلام ، فالصمتْ لَا يعنِي الامتنَاع عَن الكَلام بَل هُو كَلام مِن نَوع آخر لَا يفهَم معنَاه إلَا مَن خَاض فِي بَحر عُلومه ، وَرغم أَن الصمتْ لغَة واحِده فِي جمِيع الكَون ، إلَا أَن لَه معاني عدِيدة تعْرفها مِن نظرَة العيُون وتعابِير الوَجه ، وَمن تِلك المعَاني [ الحزِين – المؤلمْ – القاتِل – المرعِب – الفَرح – التفكِير … ] وقِيل عَن الصمتْ [ الصمتْ أكثَر ثراء مِن الكلامْ ، فَنحن نَتكلم حينمَا يفيضْ بنَا الصمتْ – بِكثرة الصمتْ تكُون الهيبَة – إذَا تَم العَقل نقَص الكَلام – الصمتْ فَن عظِيم مِن فنُون الكَلام – لَن تكُون مُتحدثاً جَيداَ حتَى تتَعلم كَيف تُحسن الإصْغاء ] ورحِم الله مَن قَال :
عِندما لمْ تجِد لسمَاع صوتِك آذان
ولَا تجِد لحدِيثك فِي القلُوب مَكان
لَو تَاه الصدِيق فلَم تعرِف لَه عِنوان
قَد يكُون الصمتْ يومهَا أبلغْ مِن الكَلام
مِن شِعر الإمَام الشَافعي رَحمة الله :
قَالوا سَكت وقَد خُوصمت قُلت لهمْ
إِن الجوَاب لِباب الشَر مُفتاح
وَالصمت عَن جاهِل أوْ أحمَق شَرف
وَفيه أيضاً لِصون العَرض إصْلاح
أمَا تَرى الأسُود تُخشى وَهي صَامتة
وَالكلْب يخسَى لعُمري وَهو نبَاح

**هَمْسَة : أصْمت …. فالصَمت كَلام .
وَمَنْ أَصْدَقْ مِنْ الله قِيلاً {قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ}
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *